الخميس، 21 يونيو 2012

حلم عزيز فيلم " مش لذيذ"


سيناريو: نادر صلاح الدين
إخراج: عمرو عرفه
بطولة : أحمد عز
إنتاج: الشركة العربية
مدة الفيلم : 120 ق

هل هي عودة لافلام المواعظ الاخلاقية ؟
صحيح ان السينما المصرية لم تتخلص كليا من فكرة الوعظ الاخلاقي ذو الصبغة الدينية حتى في افلام السبكي حامل لواء الغنوة والرقصة في الفترة الحالية والذي رأيناه يعظ الناس من قبل في افلام"الفرح"و"شارع الهرم"ولكن ان تتطور فكرة الوعظ بهذا الشكل المباشر الذي يجعلنا نتابع عبر ساعتين هذا الخليط الممل من مشاهد ارتكاب الموبقات ثم التوبة ثم التفرقة ما بين الحلم والرؤيا ثم شرح فكرة الفيلم عبر ديالوجات حوارية مطولة وتعليمية, كل هذا يعتبر رجع إلى ما وراء الوراء, وقد سبق ان قدمت السينما المصرية عام 65 فيلم"طريد الفردوس"عن مسرحية توفيق الحكيم وبطولة فريد شوقي وإخراج فطين عبد الوهاب حول فكرة الخير والشر و الجنة والنار ولكنه قدم بشكل اكثر تطورا على المستوى الفكري والدرامي من فيلم"عزيز"ويبدو ان صناع الفيلم ليسوا متابعين لتاريخ السينما المصرية التي كانت متطورة من قبل ان يقدموا على اقتباس فيلمهم بشكل واضح من عدة افلام امريكية ربما اشهرها فيلم روبين ويليامز "اي حلم سوف يأتي".
اننا امام نموذج رجل الاعمال العابث الخائن الذي يجسد فكرة شيطان الأنس حيث يقدم على الشر ويوسوس به ايضا وذات يوم ينام ليحلم بأبيه"شريف منير"الذي يطلب منه ان يصعد معه ثلاثين درجة سلم فيستيقظ"عزيز"وهو يظن أنه سوف يموت بعد ثلاثين يوما ويبدأ في محاولة التكفير عن ذنوبه وطلب العفو من كل من اساء لهم.
إلى هنا وسواء كانت الفكرة مقتبسة او اصلية فهي فكرة جيدة ولكن في السينما لا تصنع الأفلام بالافكار الجيدة فقط, فالمعالجة الهزلية احتوت على قدر كبير من الأستظراف من قبل اغلب شخصيات الفيلم ومحاولة استدراج الضحكات عبر الأفيهات وليس المواقف الكوميدية المحكمة الكتابة ونادر صلاح الدين هو كاتب افيهجي في المقام الاول وقدرته على التمصير او صياغة مواقف كوميدية قدرة محدودة جدا رأيناها من قبل في اغلب افلامه ويكفي ما فعله بعادل امام في زهايمر.
البحث عن الأفيه افقد المشاهد رشاقة الأيقاع خاصة مع طول زمن الفيلم وتكرار عناصر البحث ع من اخطئ عزيز في حقهم للاعتذار لهم, كما ان التمصير فشل في تحويل الموتيفات الأجنبية في الافلام الأصلية إلى موتيفات مصرية او شرقية مثل مشاهد تحول"شريف منير"إلى نينجا او مصارع ثيران فهي موتيفات غربية كان يجب على الكاتب عند الاقتباس ان يقوم بتمصيرها ولكنه الاستسهال وقلة الحيلة الدرامية.
ورغم الجهد المبذول في محاولة صياغة اجواء الجنة والنار من خلال الجرافيك والخدع البصرية إلا انها في حد ذاتها تعتبر دليل على اقتباس الفيلم لان كتابنا عادة لا يفكرون في سيناريوهات تحتاج إلى الجرافيك بحكم تخوف المنتجين من التكلفة وقلة الخيال التقني لدى منفذي هذا النوع من الخدع والذي جعلهم مثلا في هذا الفيلم يصيغون مشاهد الجنة والعالم الاخر بموتيفات بصرية مأخوذة من فيلم افاتار ونقصد بها الجزر الخضراء المعلقة في السماء ام أنها محاولة لاثبات أننا يمكن ان نصنع مثل افاتار واحسن!
ولكن ازمة الفيلم ليست في مشاهد الجرافيك البدائية ولكنها تلك المشاهد الوعظية الغير خلاقة, فهذا النوع من الافلام يحتاج ان يكون المورال الاخلاقي أوحتى الديني داخل نسيج العمل كي يكتشفه المشاهد ويستخلص العبرة منه, وليس ان يتم تلقينه بهذا الشكل الفج خاصة في المشاهد الاخيرة من الفيلم والتي تشوبها حالة تشوش فكرية ودينية واضحة, حيث يرقد عزيز مريضا بوهم انه سيموت فيجد كل الاشخاص الذين سامحوه وقدم لهم الخير في اخر ايامه يقفون تحت شرفته ويدعون"يا رب", ولا ندري يا رب ماذا؟ يا رب يطيل في عمره ! وهل الدعاء لشخص على فراش الموت من قبل الناس الذين فعل معهم الخير يمكن أن يطيل في عمره! ربما لو كان مريضا او حتى ميتا لكان الدعاء اتخذ قيمة وعظية مختلفة ولكن ان يدعوا له الا يموت فهذا تخريف.
والمشاهد الوعظية هي التي ابطأت من تدفق ايقاع الفيلم لأن السيناريو يتوقف للوعظ والأرشاد مطيلا في الشرح والأقناع ثم يختم المشهد بجملة استظرافية او افيه خائب مما يصيب المشاهد بالملل فالذهن في حاجة لمن يشاكسه حتى ولو هزليا وليس لمن يلقنه كأنه في كٌتاب.
أحمد عز ومي كساب 
احمد عز اعجبته شخصية الفتى العابث منذ قدمها في"365 يوم سعادة"ويزيد عليها هنا اللمسة الشعبية المتمثلة في فجاجة السلوك وخشونة نبرة الصوت وان كان الربط ما بين وضاعة الأصل  وصعوده من طبقة شعبية ربط غير منصف للطبقات الشعبية وهو يصرح في الفيلم"انا من عابدين"رغم أن عابدين منقطة قاهرية اصيلة, حيث نشم رائحة تفرقة طبقية ما بين اصول عز المتواضعة اجتماعيا وبين اصول زوجته الارستقراطية, فلماذا يصر كتابنا على ان الطبقات الشعبية هي التي تحوي بذور الفساد والانحراف! ولكنها تفصيلة لا تعني الكاتب فالأفيه هو الغرض في النهاية.
محمد امام يعيد إنتاج الشخصية التي قدمها ابيه طوال عقد الستينات وهي شخصية السنيد التافه ضعيف الشخصية الانقيادي الذي يتلقى الضرب والصعفات طوال الفيلم وهي مسألة غريبة لان محمد قدم شخصيات اكثر نضجا في بداياته في"عمارة يعقوبيان"و"حسن ومرقص"فهل قرر الرجوع ومحاولة صعود السلم من القاع كما صعده ابيه.
الوجهين الجديدة ميريت ورانيا منصور اللتان قدمتا دور زوجة واخت عزيز لا يزالا خارج التصنيف كممثلتين يحتاجان إلى الكثير من المران والخبرة خاصة ميريت اما رانيا فجاءت مفتعلة لدرجة مستفزة رغم ان لديها امكانيات طريفة في قدرتها على التحكم في ملامحها ولكن يبدو ان عرفه كان مشغولا بالوعظ ونسي ان المخرج الجيد يعرف من قدرته على توظيف الممثل الضعيف.
اما الميزة الاخراجية في الفيلم فهي ان عمرو استعرض قدراته في التعامل مع ما يعرف بموقع التصوير الايهامي"digital set "في المشاهد المنفذة بالجرافيك  حيث قام بتحريك الكاميرا بشكل متوازن واخذ زوايا تشرح الأفهيات البصرية والحوارية خاصة في مشهد مبارة كرة القدم ونزول الرجل ابو جلابية للملعب, ونتمنى ان نراه اكثر تطورا في افلام اخرى بعيدا عن الوعظ والاستظراف.




  

الثلاثاء، 12 يونيو 2012

فيلم المصلحة : مقال جديد ممنوع من النشر



السينما المصرية "مصلحة ولا مروحة" !!
تأليف:وائل عبد الله
إخراج : ساندرا نشأت
بطولة : أحمد السقا- أحمد عز
إنتاج: لؤي عبد الله
مدة الفيلم: 110 ق

في البدء
هناك تعبير معروف يجري على لسان الكثيرين في الشارع عندما يتم الاشتباه في ان هذه الفتاة او تلك على قدر من الانحراف او انها في وضع مشبوه مع احدهم, عندها ينطلق هذا التعبير المقفى الشهير"مصلحة ولا مروحة" يعني هل أنتِ محترفة وهذا زبون ام انه مجرد شاب شهم يقوم بتوصيلك للبيت! او هل انتِ ذاهبه لقضاء"مصلحة" ما أم أنكِ"مروحة" اي انتهى الدوام بالنسبة لك وفي طريقك للبيت.
لست ادري لماذا شعرت أن هذه الفكرة تنطبق على حال السينما المصرية في الفترة الحالية ليس لمجرد ذلك الجناس الكامل بين عنوان فيلم"المصلحة"وبين تعليق"مصلحة ولا مروحة" ولكن لأن هذا التعليق تحديدا يعبر-رغم سوقيته-عن الوضع الغير مفهوم والعبثي للسينما في مصر منذ ثورة يناير.
فكلما خرج علينا احد المنتجين أو النجوم بأنه(يا حرام)قرر أن يخوض تجربة هذا الفيلم او ذاك من اجل"ارزاق الناس" أي العاملين في مجال السينما ! وأنه لولا خوفه على الصناعة ما كان قد اقدم على هذه التضحية ! اشعر بإحالة كاملة تجاه مصطلح"عجلة الإنتاج"الشهير الذي كان جزء من منظومة الدعاية المضادة للثورة والميدان, حيث يبدو أن فكرة "أكل العيش" والرزق وعجلة الأنتاج هي جزء من نفس افرازات المنظومة التي تريد لكل شئ ان يبق على حاله طالما هي مستفيدة ورابحة وبالتالي لا يوجد اسهل من الخوض في مسألة الخوف على الإنتاج و"ارزاق الناس" وهو التعبير الذي استخدمه"احمد عز" تحديدا للحديث عن فيلمه الاخير.
إذن فأن الانتاج السينمائي الأن مجرد"مصلحة"طالما ان القائمين عليه يعلنون هذا بأنهم يخوضون التضحيات الانتاجية الكبرى من أجل ان تستمر عجلة الإنتاج حتى لو كان ما يُنتج غث وتفاهة وفارغ او "شارع الهرم"و"حصل خير "و"سامي اكسيد الكربون"وخلافه.
ولكن الغريب أن احدا -سوى المهتمين بالسينما من خارج الشأن الأنتاجي- لا يتعجب من ان هذه النوعية من الافلام خاصة نوعية المصلحة التي تنسب إلى سينما الامكانيات الكبيرة لا تقدم سوى هذا الهراء الفج, وكأن ثمة تعمد وقصدية أن تظل الامكانيات الأنتاجية مسخرة لصالح السطحية والأفيه الاذع وبطولات النجم الخارق الذي يمثل محور الفيلم ودعايته ومستقبل توزيعه, وبغض النظر عن تلك الدعاوي"الشاذة"من قِبل"المثقفاتيه"عن الفكرة والهدف والمضمون والجوهر وكل هذه الأشياء السمجة التي لا علاقة لها" بأرزاق الناس" او عجلة الانتاج.
ولكن بحكم منطق الشك الذي طرحناه في البداية يجب نتوقف امام طرف المعادلة الاخر وهو التساؤل عما اذا كانت السينما المصرية"مصلحة"؟ ام انها "مروحة" ؟ اي في طريقها للأفول والانتهاء !
ولا نقصد هنا الأفول الانتاجي فهناك ماكينة فلوس يجب ان تعمل طوال الوقت وهي ماكينة ضمخة متصلة بشكبة علاقات اعلانية وتليفزيونية ضخمة لا مجال للحديث عنها الان, ولكننا نتحدث عن السينما المصرية كفكر وفن وشكل وسياق تاريخي وتطور ودور ثقافي واداة وجدانية لتشكيل وعي الناس, فلسنوات طويلة اصبحت التجارب التي يمكن أن تعتبر متنفسا للسينما الحقيقية خارج عوادم وملوثات دعاوى التجارية والجماهيرية الجوفاء والغنوة والرقصة والأفيه تجارب قليلة جدا ونادرة, ثم اذ بها تتوقف تماما بعد الثورة رغم أنه من المفترض كما يقول السياق التاريخي أو حتى المنطق العام ان الجمهور الذي صنع مثل هذه الثورة يمكن أن تكون لديه الرغبة في الخروج على البيئة العامة لسينما رديئة تجرعها بإرادته او مجبرا خلال سنوات التخلف السابقة.
في رأيي ان المتابع للسينما المصرية خلال عام ونصف من بعد الثورة إلى الأن وحتى المتفائل منا يستطيع أن يتبنى كلا الرأيين وبالتالي نستطيع ان نقول أن السينما المصرية الان في الحقيقة "مصلحة ومروحة" في نفس الوقت, لأن القائمين على صناعتها وانتاجها بل وجمهورها نفسه الذي يمنح هؤلاء الصناع والمنتجين رخصا جماهيرية بختم"الأيرادات" لا يهمهم سوى المصلحة المالية او التسلية العابرة التي تضمن استمرارية "النظام السينمائي"السابق بكل ترديه وفساده في مقابل مقاومة اي محاولة"للثورة"أو"التغيير"الحقيقي, والذي يجبر-المنتجين والنجوم- على الخوض في سياقات ترفع من وعي الجمهور وبالتالي تفقدهم شرائح المتلقين العزل من الذائقة الفنية, اما المضامين والسياقات الثقافية والجواهر الباطنية فكلها لن تجد من يأسف عليها ويودعها وهي تضمحل وتتلاشى و"تروح".   
تحية للسينما الهندية
احمد السقا
اصبحت السينما الهندية بعد سنوات من الميلودراما الفاقعة والصدف السعيدة والتعيسة وقصص الثأر والاشقاء التائهين والشامة على الكتف والفيل صديقي نوع سينمائي خاص بذاته وبالتالي عندما نقول على هذا الفيلم أنه"فيلم هندي"فهذا يعني أنه قد احتوى على العناصر الاثيرة في السينما الهندية التي اعتمدت عليها طوال سنوات, وها نحن نعيد انتاجها كل فترة تحية منا للأفلام الهندية.
اولى العناصر الهندية في المصلحة هو هذا التصوير المبالغ فيه للأسرة السعيدة "اسرة احمد السقا/حمزة" ضابط الشرطة- الذي يختلط علينا الإدارة التابع لها-حيث يمهد لنا الفيلم في فصوله الأولى حالة السعادة الغامرة التي تعيشها الأسرة من خلال الأخوين"السقا والسعدني" كي يفجعنا فيما بعد بوفاة الضابط الشاب"السعدني"نتيجة اقتحام أخو سالم/أحمد عز للكمين الذي كان فيه, وهي ثاني العناصر الهندية في الفيلم, فبالصدفة يخدم السقا والسعدني في نفس المنطقة"سيناء" وبالصدفة يكون الضابط الواقف في الكمين هو أخو الضابط الذي يبحث وراء تاجر المخدرات وبالصدفة يقتل أخو تاجر المخدرات اخو الضابط ولا عزاء لأي منطق فني أو تبرير درامي مقنع.
ثالث العناصر الهندية هو فكرة الضابط"الجوكر"التي يقدمها احمد السقا فنراه في البداية يقتحم احد حقول زراعة البانجو على رأس قوة شرطية, وبعد وفاة أخيه يطلب نقله إلى مكافحة المخدرات وعندما يتم الحكم على أخو سالم بالاعدام –دون مبرر كافي- يقوم هو على رأس قوة بمهاجمة فيلا سالم والبحث عن اخيه الهارب وكأن الأخ سوف يهرب فيذهب للجلوس في فيلا اخيه-ولكنه مجرد مشهد باهت لصناعة مواجهة بين "النجمين"الكبيرين, وكأن ضابط المخدرات مهمته انتقلت إلى مباحث تنفيذ الاحكام, ولكن المنطق الهندي يقول أن القتيل"اخوه" فيجب أن يكون هو من يبحث عن قاتله الهارب, وبالتالي هو من يذهب للعثور على رفيق الكلابش الذي كان مع الاخ عندما هرب وهو الذي يذهب لأستجواب زينة عشيقة الأخ الهارب وهكذا.
رابع العناصر الهندية حكاية اخو سالم المحكوم عليه بالاعدام لانه كما يقول"صلاح عبد الله" الذراع اليمين لسالم ان اخيه اطلق النار على ضابط في الكمين,ولكنه لم يطلق عليه النار كما رأينا بل صدمه بالسيارة وبالتالي هو قتل خطأ وليس عن عمد كما ان نصف طربة الحشيش التي كان يحوذها يمكن أن تحسب تعاطي وليس اتجار وكان الاولى أن يضاعف السيناريو الكمية ليكون الحكم بالأعدام سببه الأتجار وليس التعاطي لانه في الحقيقة قتل الضابط بالخطأ والأعدام هنا هي مبالغة هندية اخرى من مبالغات الفيلم.
 ثم لا تدري متى علم الرائد حمزة بوجود شحنة/مصلحة مخدرات كبرى سوف تأتي من لبنان على يد سالم ! لقد استغرق السيناريو في بناء علاقة الثأر الميلودرامية ونسي ان يضع لنا مشهدا واحدا يمنطق فكرة انتظار المصلحة على اعتبار انها شحنة ضخمة, ولكنه الأستسهال الذي يجعله يعتبر أن المتفرج لن ينتظر هذا التبرير طالما أن السقا هو الضابط وعز هو الشرير.
ثم من اين علم حمزة أن زوجة سالم هي التي استدرجت زوجته لفخ ساذج لتوريطها في قضية مخدرات فلم يرها أحد سوى زوجة الضابط"حنان ترك", ولكنه نفس المنطق الهندي في محاولة صناعة مشاهد مواجهة بين الشخصيتين الرئيسيتين دون أن تكون تلك الموجهات في ذرى درامية مقنعة أو مكتملة.
وقد بدت ساندارا مهزوزة إخراجيا تماما مثل كادراتها الغير مستقرة طوال الوقت, حيث بالغت في استخدام اسلوب الكادر الغير مستقر وتغيير فوكس الكاميرا من واضح إلى غائم واستخدام حركة الكاميرا"الهارد نيوز"المستوحاة من عملية تغطية الحوادث الساخنة حيث يبدو هذا الأسلوب ساذجا هنا ونمطيا لكثرة استخدامه وغير متفق مع الكثير من المواقف الدرامية, فلماذا تستخدم هذا الأسلوب مثلا في مشهد عادي يجمع الأخين مع زوجاتهم في السيارة او في منزل الاخ! وهي مشاهد "ريليف"بالأساس وتمهيد ميلودرامي لفاجعة موت الاخ, ولا يمكن تبرير الأفراط في هذا الأسلوب بالعودة إلى ان احداث الفيلم حقيقية وبالتالي محاولة تصويرها بشكل اقرب للمواد الوثائقية التي تغطي الحروب او المواجهات الحية فهذا ايضا ليس مبرر كاف.
ولأن الفيلم بلا مضمون تقريبا فأن ذهن المتلقي يبحث في بعض مناطق الميلودراما على اي هدف من وراء هذا الصراع الدامي غير فكرة حماية مصر من خطر المخدرات وهي الفكرة التي استهلكتها افلام المقاولات في الثمانينيات ولهذا قد يتصور البعض أن الهدف هو تحسين صورة الشرطة ممثلة في قيام البطل المحبوب /السقا بدور الضابط الشريف و"استشهاد"أخيه الذي كان جالسا"بيحب" في بوكس الكمين, ثم هذه الجنازة العسكرية المهيبة التي تضم كل الرتب الثقيلة على اعتبار انه شهيد للواجب, رغم أن مثل هذا التأطير"للشهادة"كان يحتاج إلى مشهد اقوى تحدث فيه مواجهة بين الضابط والمقتحم وليس مجرد"حادث تصادم".
وموت الضابط خفيف الظل وهو"بيحب "احد العناصر الهندية الاصيلة حيث يجعل الدموع تفر من عيون المشاهد وكان ينقصنا اغنية أحمد مكي الهندية من فيلم طير أنت لأستكمال الطقس الحزين.
ولكن نتصور أن فكرة تجميل صورة الشرطة لم تكن هدفا لصناع الفيلم لأن الفيلم ببساطة ينتمى لسينما الاهدف وصُناعه ليسوا بالمراهقة الفكرية التي تجعلهم يضعون انفسهم في مواجهة الحقد الجماهيري على الشرطة والذي يمكن أن ينتقل في ولا وعي المتفرج إلى كراهية الفيلم أو اتخاذ موقف سلبي منه, ولكنه مجرد خطأ ربما سببه ان الفيلم مكتوب قبل الثورة أو ان صناعه لم ينتبهوا إلى أن هناك ثورة في مصر فاستمروا يصنعون أفلامهم بنفس التركيبة القديمة.
احمد السقا في اقل حالاته ادائيا هنا حيث لم يتمكن من الأحتفاظ بوجه الأخ صاحب الثأر بشكل متقن وتحولت ملامحه مع خشونة صوته"الغير فنية"إلى نوع من"الحزق"اما"عز"فيبدو أن المخرجة قد صورت له الشخصية القوية والعنيفة لتاجر المخدرات على أنه يجب أن يصرخ و"يجعر"طوال الوقت وما بين "الحزق"و"التجعير" هبط مستوى الأداء وهو ما يحسب ايضا ضد مخرجة العمل.

  

السبت، 9 يونيو 2012

الفيلم المغربي :عمر قتلني



من قتل من ؟؟
إخراج: رشدي زم
إنتاج : تيساليت للأنتاج
بطولة : سامي بو عجيلة
مدة الفيلم: 84 ق

انطلقت في الثاني عشر من يناير الماضي فعاليات الدورة الثالثة عشر لمهرجان طنجة الوطني بالمغرب, حيث تحتضن المدينة الشمالية مسابقات المهرجان الذي يأتي بمثابة عرس محلي للسينما المغربية وتعرض من خلاله اهم وأحدث انتاجات السينما المغربية في مجال الفيلم  الطويل والقصير.
ضمت مسابقات المهرجان هذا العام 22 فيلما روائيا طويلا وفيلم واحد وثائقي و22 فيلما روائيا قصيرا وفيلم واحد قصير تسجيلي ورأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة المفكر الفرنسي الكبير"إدجار موران"وبعضوية الناقد"ابراهيم العريس"من لبنان والكاتب"أحمد حرزاني"من المغرب والناقد المغربي"أحمد فتوح"والصحفية المغربية"سناء العاجي".
استمرت فعاليات المهرجان إلى الحادي والعشرين من يناير ومنحت لجان التحكيم في حفل الختام مجموعة من الجوائز تصل إلى نصف مليون درهم مغربي لأحسن فيلم وأحسن ممثل  وممثلة وأحسن تصوير وأخراج وموسيقى بالاضافة إلىجائزة لجنة التحكيم الخاصة وشهادات التقدير. 
وضمن عروض مسابقة الأفلام الطويلة عرض الفيلم المغربي الفرنسي المشترك"عمر قتلني"من إخراج المخرج والممثل المغربي رشدي زم , ولمن لا يعلم فإن"رشد زم"هو الممثل الذي شارك "باسم سمرة"بطولة الفصل الخاص بفرنسا في فيلم يسري نصر الله"المدينة" 1999 وهو الشاب الذي سرق باسبور"باسم" في الفيلم وعاد به إلى مصر هربا من احد العصابات الفرنسية.
يحكي فيلم"عمر قتلني"قصة حقيقية حدثت في اوائل عام 1991 في فرنسا عندما اتهم الشاب المغربي"عمر الرداد"بقتل السيدة"جيزلان مارشال"التي كان يعمل لديها بستانيا في بلدة"موجان" الجنوبية حيث يتم اعتقال عمر على خلفية رسالة وجدت من قبل السيدة مكتوبة بالدم على حائط الحمام الذي قتلت فيه: "عمر قتلني" .
يتم اعتقال"عمر"في سجن كراس ليظل هناك طوال سبع سنوات كاملة رغم عدم اكتمال عناصر القضية ضده وفي عام 1998 يخرج"عمر"مرة أخرى إلى الحياة لكنه يظل مدانا من وجهة نظر القانون.
ولكن قبل ذلك في عام 1994 ونتيجة عدم اقتناعه بالحكم مع متابعته لملابسات القضية يقرر الكاتب الفرنسي"بيير-ايمانويل فوكورونار"أن يقوم بعملية تقصي حقائق صحافية متتبعا خيوط القضية كي يُخرج عنها في النهاية كتابا ضخما ,يمثل المادة التي اعتمد عليها المخرج وكتاب السيناريو في تقديم هذا الفيلم.
شارك في كتابة سيناريو الفيلم إلى جانب المخرج رشدي زم ثلاثة سينمائين هما كاتبا السيناريو الفرنسيين اوليفي كراس وأوليفي لوريل بالأضافة إلى المخرج الجزائري رشيد بو شارب-صاحب"خارجون عن القانون"- ,وبما أن الأحداث مأخوذة عن وقائع حقيقية فقد لجأ صناع الفيلم إلى اتخاذ شكل الفيلم الوثائقي الذي يعتمد فيه السيناريو على عناصر تسجيلية واضحة, اهمها كتابة اسم المكان وتحديد التاريخ الذي جرت فيه الوقائع, ولكن من خلال عملية تكسير زمني واضحة لا تعتمد على التصاعد التقليدي للاحداث ولكن على الحركة للامام والخلف عبر سنوات القضية وبالتالي ندرك اننا لسنا امام فيلم بوليسي هدفه تبرئه قاتل محتمل والبحث عن قاتل حقيقي ولكننا امام محاولة تحليل سياسية لوضع(الآخر)في مدينة هي نموذج للمجتمع الغربي في نهاية القرن العشرين.
منذ المشاهد الأولى  ندرك أن صناع الفيلم يريدون للمتلقي أن يوقن ببراءة عمر فهو يقف في الشرفة مع ابنه الصغير يراقب جمع من سيارات البوليس القادمة بسرعة في الشارع ولكنه لا يتحرك أو يحاول الهرب بل يراقب السيارات في براءة مع ابنه, بل ان المتلقي نفسه لا يدرك أن تلك السيارات قادمة للقبض على عمر إلا من المشهد التالي الذي تقتحم فيه قوة البوليس بيته وتلقي القبض عليه بعنف أمام اسرته الصغيرة.
إن هذين المشهدين المتتالين اللذان يأتيان في بداية الفيلم يقولان شيئا واحد  وهو أن عمر برئ, فلو كان مذنبا او قاتلا لكان قد فر بمجرد سماعه سارينة الشرطة حتى ولو لم تكن قادمة للقبض عليه, من هنا يؤسس السيناريو تلك الحالة من التعاطف المسترسل مع الشخصية والتي تستمر بشكل يقيني قاطع لا مجال فيه للشك إذا ما كان عمر قد قتل السيدة أم لا.
وفي الوقت الذي يبدأ فيه الكاتب الصحفي ايمانويل رحلته لتقصي الحقائق حول إذا ما كان عمر قد قتل السيدة جيزلان أم لا نجد من خلال اسلوب المونتاج المتوازي جلسات المحكمة التي يرأسها قاض صارم شبه عنصري منحاز ضد عمر, بينما يلجأ الكاتب الصحفي إلى ابسط قواعد التحري واستقراء ملامح مسرح الجريمة ولكن تتحرك المحكمة بشكل قاطع لأدانة عمر لمجرد أنه عربي/اسمر / أخر.
من خلال موقف الصحفي خلال السيناريو يفضح الفيلم هذا الشعور بالتمييز العنصري الذي يمارس ضد الجنسيات الأخرى في فرنسا فالكاتب الصحفي اثناء مشاهد التقصي يفكر في أن القضية قد تكون كلها ملفقة خاصة أن مدام جيزلان كتبت بدمها على الحائط ان عمر قتلها بينما كانت مسرح الجريمة مظلما فكيف تأتي لها أن تكتب الجملة بمثل هذا الوضوح وهي تلفظ انفاسها الأخيرة في الظلام !!
ولكن لأن المتهم عربي مهاجر فسوف يوقن الجميع أنه القاتل أما لو كان المتهم فرنسيا أو اروبيا فكانت تفاصيل المحكمة سوف تختلف بلا شك.
في السجن يتعامل السيناريو بشكل بعيد عن النمطية, فعادة ما يكون وجود أي عربي في سجن اوروبي مدعاة لأحتكاكات والصدامات سواء مع السجناء الاخرين أو مع حراس السجن وهي صورة نمطية نراها في العديد من الأفلام الأمريكية والأوربية ولكن يبدو هنا التعاطف واضح من خلال معظم الشخصيات التي ترافق عمر في سجنه سواء من العرب امثاله أو من الفرنسيين.
 ومن أعذب مشاهد الفيلم تلك التي نراها ما بين عمر وبين زميله السجين الفرنسي الأبيض (ولاحظوا دلالة لون السجين) حين يحضر له قطعة من الشيكولاته لكي ترفع من معنوياته.
مشكلة الفيلم تتجلى في تخبط الأسلوب عند مشاهد محددة أولها عندما يصاب عمر بمرض نفسي عضوي (سيكوسوماتيك) ويودع في المستشفى فنراه وهو يتصور نفسه سائرا في صحراء شاسعة بمفرده وهو ما يعتبر مشهدا خارج اسلوبية الفيلم الواقعية الوثائقية التي تحكى من خلال عين خارجية وليس من خلال عقل أو ذهن البطل, ويبدو أن المخرج اراد أن يوطن من عملية التعاطف مع الشخصية من خلال الشعور بالشفقة على حالها وكأنها في مرضها ووضعها النفسي اشبه بتائه في الصحراء( وقد اختار المخرج الصحراء على اعتبار أن الشخصية عربية)
ولكن هذا النوع من المشاهد يأتي غير فني ومباشر ومبالغ فيه بل يضر بحالة التعاطف التي يريدها صناع الفيلم أن تكون محور العلاقة ما بين الشخصية الرئيسية والجمهور.
وهناك تلك المجموعة من المشاهد التي تكاد تكون اقتباسا صريحا من الفيلم الفرنسي" رسول" الذي عرض في مهرجان كان منذ عامين وهي مشاهد انتحار عمر السجين عبر ابتلاع موس حلاقة ومشاهد تركه عاريا في الحبس الأنفرادي كي لا يكرر محاولة الأنتحار فيجلس باكيا مرتعشا على الأرض يراكب صرصرا يتسلق حائط الزنزانة في إحالة لوضعه النفسي وشعوره بالدونية والأحتقار.
هذه المشاهد المقتبسة لا تأتي في شكل تحية فنية لفيلم "رسول" ولكنه تأثر واضح يحيل المتفرج إلى عمل أخر مما يفقده بعض من تركيزه في الفيلم الذي يشاهده ويضع الفيلم في مقارنة مع تجارب أخرى مختلفة في سياقها وافكارها.
الممثل والمخرج رشدي زم
إخراجيا يعتمد الفيلم على الأسلوب الواقعي في التعامل مع حركة الشخصيات والأماكن وزوايا التصوير والأعتماد على مصادر الأضاءة الطبيعية, رغم أن السيناريو مكتوب بشكل اقرب للوثائقية إلا أن المخرج لم يلجأ إلى استخدام الأسلوب التسجيلي القائم على حركة كاميرا غير ثابتة وزوايا غير تقليدية كأننا أمام تقرير اخباري مصور, ولكن اسلوبه يتسم بالرصانة والهدوء واعتمد اعتمادا كبيرا على اداء الممثل الجزائري"سليم" في إخراج انفعالات شخصية"عمر" والشعور بالعذاب الداخلي الذي تعاني منه خاصة مع ملامح وجهه العربية المنحوتة وعيناه الذابلتين ونظراته الحائرة التي تبدو كنظرات رجل يعيش في كابوس ينتظر أن يستيقظ منه ولكنه لا يستيقظ أبدا.
في النهاية بعد أن يخرج عمر من السجن نتيجة عدم كفاية الأدلة وقد تحول عبر السنوات السبع التي استغرقتها القضية إلى وجه اعلامي وصحافي معروف ورغم أجتماع شمله مع اسرته إلا أنه يشعر بتلك الحالة من الخواء وفقدان الذات خاصة في ذلك المشهد الرائع الذي يرى فيه ابنه الصغير لاول مرة وقد تركه وعمره شهور قليله وعاد وقد بلغ سبع سنوات فإذا بأبنه يقول لهم "هذا السيد احضر لي هدية " مشيرا إلى اباه وفي اللقطة التالية نراه يعتصر قطعة من القماش في فمه كي لا يصرخ ألما من كلمة السيد بدلا من كلمة "بابا" التي كان ينتظرها من ابنه.
صحيح ان الفيلم لم يأت بجديد فيما يخص القضية والحكاية كلها إلا أن تركيزه على الجانب التراجيدي المأساوي لقصة"عمر الرداد"هي محاولة من صناعه الاشارة بشكل واضح لما يمكن أن تؤدي إليه تلك النظرة العنصرية للعرب في اوروبا, فها هي حياة إنسان دمرت نهائيا واستهلكت كل طاقاته البشرية في محاولة الدفاع عن نفسه ضد جريمة لم يرتكبها ولكن يصل لنتيجة أنه لمجرد أن أحدهم لفق لعربي جريمة في اوروبا فهذا معناه أنه الجاني.
في المشهد الأخير من الفيلم عندما تسأل عمر فتاة تجلس بجانبه في الأتوبيس "هل أنت عمر الرداد" يجيبها قائلا" لا لست هو" ويرتكن برأسه على النافذة لشعر أنه قد فقد ذاته ولم يعد نفس الشخص الذي كانه, أنه لم يفقد فقط سبع سنوات من عمره ولكنه خسر نفسه وحياته بأكملها فمن إذن قتل من ؟ 

الجمعة، 8 يونيو 2012

فيلم ريكلام .. المقال الممنوع من النشر



ريكلام
افلام في الضياع..في الضياع

تأليف : مصطفى السبكي
إخراج : على رجب
بطولة : غادة عبد الرازق – رانيا يوسف
إنتاج : مارلين فانوس
مدة الفيلم : 110 ق

في أغنية المؤدي الشعبي"هوبا"التي يتغنى بها في الفيلم يقول"في الضياع..في الضياع..كلنا في الضياع" وهي تقريبا الحالة التي تصيب المتلقي عند مشاهدة"ريكلام" فهو ليس فيلما عن الضياع الأنساني او السقوط, ولكنه فيلم عن ضياع السينما على ايدي مجموعة من انصاف الموهوبين واصحاب الرؤى الضحلة.
 يبدأ ريكلام بالقبض على اربعة من فتيات الليل في قضية دعارة(غادة عبد الرازق ورانيا يوسف وانجي خطاب ودعاء سيف الدين)وفي الطريق إلى قسم الشرطة تبدأ الذكريات في التداعي بمخيلتهم ويظن البعض أن كتابة جملة مستلهم من قصص حقيقية يمكن أن تكسب التجربة عمقا ولكن عقب المشاهدة تكتشف أن مسألة القصص الحقيقية مجرد متاجرة رخيصة  بواقع مفتعل.
السيناريو مبني بطريقة خاطئة سينمائيا حيث ينتقل ما بين الفلاش باك وما بين الحاضر في تقاطعات متنافرة وغير مبررة فلا ندري هل يتم رواية الفيلم من خلال ذاكرة جمعية لبطلاته أم ان كل شخصية تتذكر على حدا أم ان هناك راوي عليم يروي كل هذا ويريد أن يلصقه إلى جانب بعضه دون دراية بكيفية فعل هذا.
بمجرد أن تبدأ الذكريات نكتشف أن الشخصية الرئيسية"غادة عبد الرازق"تتذكر احداثا لم تشهدها! مثل جلسة زوج امها مع تاجر المخدرات الذي يبوح له برغبته في الزواج منها.ثم تتداخل ذكريات"غادة"مع ذكريات كفاح"رانيا يوسف"في عملها كمندوبة مبيعات دون أن يكون ثمة علاقة بينهم أو تعارف مسبق يمكن أن يؤطر هذا التداخل الغامض والغير مؤسلب, ثم فجأة ايضا نجد"رانيا"تكمل حكايتها للضابط الذي قبض عليهم من النقطة التي توقفت عندها الذكريات وكأنها  كانت تروي كل هذه الاحدث للضابط- وليس لوكيل النيابة مثلا كما تقتضي التحقيقات-ثم انها ليست حتى تحقيقات ولكن كل منهم تتذكر وتحكي قصة حياتها لضابط مباحث الآداب وهي ذكريات لا علاقة لأحد بها في القضية الجنائية.
 ولكن ما شأن المؤلف بهذه التفاصيل التي تخص السرد والحبكة! يكفيه أن يجمع كل العناصر الميلودرامية الخالصة في قصص الفتيات الأربعة لكي يجبر المتلقي على أن يشهد أن لديهم كل الحق في الأنحراف والأنجراف في حياة "الليل" و"الجسد" والأقواس هنا مقصودة للأشارة إلى المخرج حسن الأمام صاحب أشهر تجارب افلام فتيات الليل في السينما المصرية.
فمن زوج الأم القاسي الذي يأخذ فلوس غادة عبد الرازق إلى زوج خالتها الذي يحاول اغتصابها ثم زوجها تاجر المخدرات الذي يقبض عليه ويتركها مع بنتها الوحيدة التي لابد ان تموت في النهاية كعقاب ألهي, ومن انجي خطاب بنت الأغنياء التي يخسر ابوها فلوسه بالبورصة فتصطحبها امها مباشرة للعمل بالدعارة المقنعة في نادي للمساج تملكه خالتها المنحرفة هي وابنتها العاهرة, ومن رانيا يوسف حيث الفقر المدقع لمندوبة المبيعات إلى الصديقة المنحرفة التي تقودها لطريق الرذيلة لأنها تكره فيها تمسكها بالاخلاق, ومن الأخ الأكبر لدعاء سيف الدين الذي يضربها بعنف ويجبرها على الزواج من رجل يكبرها في السن تكتشف عجزه جنسيا فتندفع للأرتماء في احضان عشيق سافل يدفعها للعمل كراقصة ثم يسرق مالها و يهرب.
إلى جانب الميلودراما فأن المؤلف يكتب بمخيلة(كاتب افلام البورنو)الذي يتفنن في صياغة مواقف تقود كلها في النهاية إلى الفراش أو الجنس او الحديث الأباحي عن الجسد والرذيلة, سواء كان هذا عبر الصدفة أو القصدية الفجة, ففي النهاية يجب أن يحتشد الفيلم بأكبر كم من العري والرقص والأيحاءات الجنسية التي تبدأ من القبلات والأحضان وتصل إلى صعود"غادة" من اسفل مائدة في كباريه درجة ثالثة بعد ان منحت رجلا قبيحا جنسا فمويا.
ولم تكن اشارتنا لحسن الأمام بالبريئة حيث يبدو المخرج متأثرا بالعديد من الأفلام المصرية القديمة والحديثة فيقتبس منها ما يشاء بلا حساب مثل مشهد معانقة احد البطلات لعشيقها في غرفة النوم خلف الزجاج المموه والمأخوذ بالكادر من لقطة القبلة بين"شريف منير"و"علا غانم" في فيلم "سهر الليالي"ومثل مشهد الصدفة الخارقة لدخول زوج رانيا يوسف عليها في فراش رجل الأعمال الذي من بين كل رجال الأعمال في مصر يعمل لديه الزوج كسائق, ليذكرنا المشهد المنقول ايضا بالكادر بالمشهد الشهير لدخول ابراهيم خان على سعاد حسني في فراش رشدي اباظة في فيلم المخرج كمال الشيخ"شروق وغروب", بالأضافة إلى سرقة ساذجة من فيلم "امراة جميلة" من خلال خط رجل الاعمال البورسعيدي صبري فواز الذي يصطحب غادة في اوتيل لمدة اسبوعين كي تثبت أنها اكثر سحرا من"جوليا روبرتس"سواء في مشهد الأستحمام برغاوي الصابون الشهير أو محاولتها اطعامه العصير واللبن على الأفطار بشكل متلعثم ومفتعل.
وليس من الغريب أن تتلاقي مخيلة"كاتب البورنو"مع رؤية المخرج على رجب لمشاهد الفيلم, فالمخرج مهما كان المشهد جديا تجده قادر على ادخال عنصر الجسد فيه بسلاسة شديدة ففي مشهد الحديث بين انجي خطاب الفتاة الغنية وأمها"مادلين طبر"وخالتها"ايناس مكي"حول وضعهم المالي الخطير والمتردي نجده يقدم لنا المشهد على حمام السباحة حيث تجلس"انجى" بالهوت شورت و"مادلين" بفستان مكشوف الصدر إلا قليلا وايناس مكي بأفخاذ عارية والوجه  الجديد/المجهول في حمام السباحة بالمايوه, وتتخذ الكاميرا زاوية منخفضة تتيح للمشاهد التمعن في الأفخاذ والسيقان دون الشعور بالذنب لأن الحوار يفوته, فالنتيجة معروفة سلفا! الجميع سوف ينحرف والكل سوف يكشف عن المزيد من اللحم الأبيض.
المخرج علي رجب
كذلك يتفنن المخرج في أخذ رد فعل ممثلاته بشكل غريب حيث يبدأ لقطة رد الفعل من أخمص القدم مستعرضا الجسد كله وصولا إلى الوجه, وهي اغرب حركة كاميرا لاخذ رد فعل ممثلة, حيث تبدأ اللقطة من الأقدام مرورا بالسيقان فالبطن فالصدر إلى الوجه الباكي أو الغاضب أو المحبط وبعد أن يكون المشاهد قد نسي السبب وراء رد فعل الممثلة خلال الرحلة الطويلة من القدم للوجه عبر الجسد المكشوف دائما.
لم تتحرك غادة عبد الرازق خطوة واحدة بأتجاه الأمام  على مستوى الأداء بل أن وجودها مع فتيات اصغر سنا جعل علامات التقدم في العمر واضحة عليها, وربما افلتت رانيا يوسف قليلا من نمطية الشخصية التي قدمتها خلال الفترة الماضية(في مسلسل"اهل كايرو"وفيلم"واحد صحيح") ونعني بها شخصية المرأة الشهوانية ذات النفوذ الأنثوي الطاغي على الرجال, أما "انجي خطاب"فلا يزال امامها الكثير لتتعلمه عن فن التمثيل بالملابس وليس بدونها, وأخيرا الوجه الجديد"دعء سيف الدين" فهي ابرز دليل على ضعف امكانيات المخرج في التعامل مع ممثلة بلا خبرة ولا موهبة ولا قدرات ادائية فهي تنطق جمل الحوار كأنما تقذفها في وجه المشاهد وبدون ايقاع لغوي أو فواصل, كأنما تحوشها ثم تقولها فجأة وبسرعة تمنع الفهم.
تبقى الأشارة لأن اسم الفيلم لا علاقة له بموضوعه فمصطلح ريكلام الذي لا يرد أي تفسير له في الفيلم أو تحليل لدلالته هو كلمة تطلق على الفتيات الائي يجالسن زبائن الكباريهات والبارات من أجل استنزاف اموالهم في طلب الخمور واغداق "النقطة" على الراقصات وهو التفسير الذي صرح به المؤلف وبطلات الفيلم في احاديثهم الصحفية على اعتبار أن الأحاديث الصحفية هي جزء من اسلوب السرد الفيلمي الجديد فالعنوان لا معنى له الا اذا قرأت حوارا صحفيا مع المؤلف بينما الفيلم في الحقيقة يتحدث عن قصص فتيات الليل وكيف أن السقوط مبرر وقدري ومكتوب على الجبين. 
لو طبقنا مقولة المنظر السينمائي الألماني"سيغفرد كركاور" في كتابه "تاريخ سيكولوجي للسينما الألمانية" على فيلم ريكلام والتي تقول بأن السينما لا تعكس روح وشعور ووجدان الامة في الفترة التي انتجت فيها تلك الأفلام فحسب ولكن توفر كذلك متنفسا للرغبات والأمزجة المقموعة لتلك الأمم فهذا يعني ان الأمة"المصرية" تعاني من ازمة حضارية خطيرة ليس فقط على المستوى الثقافي أو الفني ولكن على مستوى الوعي والوجدان الجمعي ولن يطول"الضياع" وقتها السينما فقط ولكن الامة كلها.