السبت، 9 يونيو 2012

الفيلم المغربي :عمر قتلني



من قتل من ؟؟
إخراج: رشدي زم
إنتاج : تيساليت للأنتاج
بطولة : سامي بو عجيلة
مدة الفيلم: 84 ق

انطلقت في الثاني عشر من يناير الماضي فعاليات الدورة الثالثة عشر لمهرجان طنجة الوطني بالمغرب, حيث تحتضن المدينة الشمالية مسابقات المهرجان الذي يأتي بمثابة عرس محلي للسينما المغربية وتعرض من خلاله اهم وأحدث انتاجات السينما المغربية في مجال الفيلم  الطويل والقصير.
ضمت مسابقات المهرجان هذا العام 22 فيلما روائيا طويلا وفيلم واحد وثائقي و22 فيلما روائيا قصيرا وفيلم واحد قصير تسجيلي ورأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة المفكر الفرنسي الكبير"إدجار موران"وبعضوية الناقد"ابراهيم العريس"من لبنان والكاتب"أحمد حرزاني"من المغرب والناقد المغربي"أحمد فتوح"والصحفية المغربية"سناء العاجي".
استمرت فعاليات المهرجان إلى الحادي والعشرين من يناير ومنحت لجان التحكيم في حفل الختام مجموعة من الجوائز تصل إلى نصف مليون درهم مغربي لأحسن فيلم وأحسن ممثل  وممثلة وأحسن تصوير وأخراج وموسيقى بالاضافة إلىجائزة لجنة التحكيم الخاصة وشهادات التقدير. 
وضمن عروض مسابقة الأفلام الطويلة عرض الفيلم المغربي الفرنسي المشترك"عمر قتلني"من إخراج المخرج والممثل المغربي رشدي زم , ولمن لا يعلم فإن"رشد زم"هو الممثل الذي شارك "باسم سمرة"بطولة الفصل الخاص بفرنسا في فيلم يسري نصر الله"المدينة" 1999 وهو الشاب الذي سرق باسبور"باسم" في الفيلم وعاد به إلى مصر هربا من احد العصابات الفرنسية.
يحكي فيلم"عمر قتلني"قصة حقيقية حدثت في اوائل عام 1991 في فرنسا عندما اتهم الشاب المغربي"عمر الرداد"بقتل السيدة"جيزلان مارشال"التي كان يعمل لديها بستانيا في بلدة"موجان" الجنوبية حيث يتم اعتقال عمر على خلفية رسالة وجدت من قبل السيدة مكتوبة بالدم على حائط الحمام الذي قتلت فيه: "عمر قتلني" .
يتم اعتقال"عمر"في سجن كراس ليظل هناك طوال سبع سنوات كاملة رغم عدم اكتمال عناصر القضية ضده وفي عام 1998 يخرج"عمر"مرة أخرى إلى الحياة لكنه يظل مدانا من وجهة نظر القانون.
ولكن قبل ذلك في عام 1994 ونتيجة عدم اقتناعه بالحكم مع متابعته لملابسات القضية يقرر الكاتب الفرنسي"بيير-ايمانويل فوكورونار"أن يقوم بعملية تقصي حقائق صحافية متتبعا خيوط القضية كي يُخرج عنها في النهاية كتابا ضخما ,يمثل المادة التي اعتمد عليها المخرج وكتاب السيناريو في تقديم هذا الفيلم.
شارك في كتابة سيناريو الفيلم إلى جانب المخرج رشدي زم ثلاثة سينمائين هما كاتبا السيناريو الفرنسيين اوليفي كراس وأوليفي لوريل بالأضافة إلى المخرج الجزائري رشيد بو شارب-صاحب"خارجون عن القانون"- ,وبما أن الأحداث مأخوذة عن وقائع حقيقية فقد لجأ صناع الفيلم إلى اتخاذ شكل الفيلم الوثائقي الذي يعتمد فيه السيناريو على عناصر تسجيلية واضحة, اهمها كتابة اسم المكان وتحديد التاريخ الذي جرت فيه الوقائع, ولكن من خلال عملية تكسير زمني واضحة لا تعتمد على التصاعد التقليدي للاحداث ولكن على الحركة للامام والخلف عبر سنوات القضية وبالتالي ندرك اننا لسنا امام فيلم بوليسي هدفه تبرئه قاتل محتمل والبحث عن قاتل حقيقي ولكننا امام محاولة تحليل سياسية لوضع(الآخر)في مدينة هي نموذج للمجتمع الغربي في نهاية القرن العشرين.
منذ المشاهد الأولى  ندرك أن صناع الفيلم يريدون للمتلقي أن يوقن ببراءة عمر فهو يقف في الشرفة مع ابنه الصغير يراقب جمع من سيارات البوليس القادمة بسرعة في الشارع ولكنه لا يتحرك أو يحاول الهرب بل يراقب السيارات في براءة مع ابنه, بل ان المتلقي نفسه لا يدرك أن تلك السيارات قادمة للقبض على عمر إلا من المشهد التالي الذي تقتحم فيه قوة البوليس بيته وتلقي القبض عليه بعنف أمام اسرته الصغيرة.
إن هذين المشهدين المتتالين اللذان يأتيان في بداية الفيلم يقولان شيئا واحد  وهو أن عمر برئ, فلو كان مذنبا او قاتلا لكان قد فر بمجرد سماعه سارينة الشرطة حتى ولو لم تكن قادمة للقبض عليه, من هنا يؤسس السيناريو تلك الحالة من التعاطف المسترسل مع الشخصية والتي تستمر بشكل يقيني قاطع لا مجال فيه للشك إذا ما كان عمر قد قتل السيدة أم لا.
وفي الوقت الذي يبدأ فيه الكاتب الصحفي ايمانويل رحلته لتقصي الحقائق حول إذا ما كان عمر قد قتل السيدة جيزلان أم لا نجد من خلال اسلوب المونتاج المتوازي جلسات المحكمة التي يرأسها قاض صارم شبه عنصري منحاز ضد عمر, بينما يلجأ الكاتب الصحفي إلى ابسط قواعد التحري واستقراء ملامح مسرح الجريمة ولكن تتحرك المحكمة بشكل قاطع لأدانة عمر لمجرد أنه عربي/اسمر / أخر.
من خلال موقف الصحفي خلال السيناريو يفضح الفيلم هذا الشعور بالتمييز العنصري الذي يمارس ضد الجنسيات الأخرى في فرنسا فالكاتب الصحفي اثناء مشاهد التقصي يفكر في أن القضية قد تكون كلها ملفقة خاصة أن مدام جيزلان كتبت بدمها على الحائط ان عمر قتلها بينما كانت مسرح الجريمة مظلما فكيف تأتي لها أن تكتب الجملة بمثل هذا الوضوح وهي تلفظ انفاسها الأخيرة في الظلام !!
ولكن لأن المتهم عربي مهاجر فسوف يوقن الجميع أنه القاتل أما لو كان المتهم فرنسيا أو اروبيا فكانت تفاصيل المحكمة سوف تختلف بلا شك.
في السجن يتعامل السيناريو بشكل بعيد عن النمطية, فعادة ما يكون وجود أي عربي في سجن اوروبي مدعاة لأحتكاكات والصدامات سواء مع السجناء الاخرين أو مع حراس السجن وهي صورة نمطية نراها في العديد من الأفلام الأمريكية والأوربية ولكن يبدو هنا التعاطف واضح من خلال معظم الشخصيات التي ترافق عمر في سجنه سواء من العرب امثاله أو من الفرنسيين.
 ومن أعذب مشاهد الفيلم تلك التي نراها ما بين عمر وبين زميله السجين الفرنسي الأبيض (ولاحظوا دلالة لون السجين) حين يحضر له قطعة من الشيكولاته لكي ترفع من معنوياته.
مشكلة الفيلم تتجلى في تخبط الأسلوب عند مشاهد محددة أولها عندما يصاب عمر بمرض نفسي عضوي (سيكوسوماتيك) ويودع في المستشفى فنراه وهو يتصور نفسه سائرا في صحراء شاسعة بمفرده وهو ما يعتبر مشهدا خارج اسلوبية الفيلم الواقعية الوثائقية التي تحكى من خلال عين خارجية وليس من خلال عقل أو ذهن البطل, ويبدو أن المخرج اراد أن يوطن من عملية التعاطف مع الشخصية من خلال الشعور بالشفقة على حالها وكأنها في مرضها ووضعها النفسي اشبه بتائه في الصحراء( وقد اختار المخرج الصحراء على اعتبار أن الشخصية عربية)
ولكن هذا النوع من المشاهد يأتي غير فني ومباشر ومبالغ فيه بل يضر بحالة التعاطف التي يريدها صناع الفيلم أن تكون محور العلاقة ما بين الشخصية الرئيسية والجمهور.
وهناك تلك المجموعة من المشاهد التي تكاد تكون اقتباسا صريحا من الفيلم الفرنسي" رسول" الذي عرض في مهرجان كان منذ عامين وهي مشاهد انتحار عمر السجين عبر ابتلاع موس حلاقة ومشاهد تركه عاريا في الحبس الأنفرادي كي لا يكرر محاولة الأنتحار فيجلس باكيا مرتعشا على الأرض يراكب صرصرا يتسلق حائط الزنزانة في إحالة لوضعه النفسي وشعوره بالدونية والأحتقار.
هذه المشاهد المقتبسة لا تأتي في شكل تحية فنية لفيلم "رسول" ولكنه تأثر واضح يحيل المتفرج إلى عمل أخر مما يفقده بعض من تركيزه في الفيلم الذي يشاهده ويضع الفيلم في مقارنة مع تجارب أخرى مختلفة في سياقها وافكارها.
الممثل والمخرج رشدي زم
إخراجيا يعتمد الفيلم على الأسلوب الواقعي في التعامل مع حركة الشخصيات والأماكن وزوايا التصوير والأعتماد على مصادر الأضاءة الطبيعية, رغم أن السيناريو مكتوب بشكل اقرب للوثائقية إلا أن المخرج لم يلجأ إلى استخدام الأسلوب التسجيلي القائم على حركة كاميرا غير ثابتة وزوايا غير تقليدية كأننا أمام تقرير اخباري مصور, ولكن اسلوبه يتسم بالرصانة والهدوء واعتمد اعتمادا كبيرا على اداء الممثل الجزائري"سليم" في إخراج انفعالات شخصية"عمر" والشعور بالعذاب الداخلي الذي تعاني منه خاصة مع ملامح وجهه العربية المنحوتة وعيناه الذابلتين ونظراته الحائرة التي تبدو كنظرات رجل يعيش في كابوس ينتظر أن يستيقظ منه ولكنه لا يستيقظ أبدا.
في النهاية بعد أن يخرج عمر من السجن نتيجة عدم كفاية الأدلة وقد تحول عبر السنوات السبع التي استغرقتها القضية إلى وجه اعلامي وصحافي معروف ورغم أجتماع شمله مع اسرته إلا أنه يشعر بتلك الحالة من الخواء وفقدان الذات خاصة في ذلك المشهد الرائع الذي يرى فيه ابنه الصغير لاول مرة وقد تركه وعمره شهور قليله وعاد وقد بلغ سبع سنوات فإذا بأبنه يقول لهم "هذا السيد احضر لي هدية " مشيرا إلى اباه وفي اللقطة التالية نراه يعتصر قطعة من القماش في فمه كي لا يصرخ ألما من كلمة السيد بدلا من كلمة "بابا" التي كان ينتظرها من ابنه.
صحيح ان الفيلم لم يأت بجديد فيما يخص القضية والحكاية كلها إلا أن تركيزه على الجانب التراجيدي المأساوي لقصة"عمر الرداد"هي محاولة من صناعه الاشارة بشكل واضح لما يمكن أن تؤدي إليه تلك النظرة العنصرية للعرب في اوروبا, فها هي حياة إنسان دمرت نهائيا واستهلكت كل طاقاته البشرية في محاولة الدفاع عن نفسه ضد جريمة لم يرتكبها ولكن يصل لنتيجة أنه لمجرد أن أحدهم لفق لعربي جريمة في اوروبا فهذا معناه أنه الجاني.
في المشهد الأخير من الفيلم عندما تسأل عمر فتاة تجلس بجانبه في الأتوبيس "هل أنت عمر الرداد" يجيبها قائلا" لا لست هو" ويرتكن برأسه على النافذة لشعر أنه قد فقد ذاته ولم يعد نفس الشخص الذي كانه, أنه لم يفقد فقط سبع سنوات من عمره ولكنه خسر نفسه وحياته بأكملها فمن إذن قتل من ؟ 

هناك 4 تعليقات:

  1. نشر هذا المقال بالانجليزية في يناير 2012 في النسخة الأنجليزية بموقع جريدة المصري اليوم
    http://www.egyptindependent.com/
    وهنا اعيد نشر المقال كامل وبالعربية

    ردحذف
  2. المدونة ممتازة go on
    انا ممكن احمل الفيلم ده منين؟

    ردحذف
  3. اشكرك على رايك و تشجيعك
    في الحقيقة لست ادري اذا كان الفيلم متاح للتحميل الأن على النت ام لا
    على كل حال تستطيع ان تبحث عن الفيلم من خلال الاسم الفرنسي الموجود على الأفيش المنشور في بداية مقال
    تحياتي

    ردحذف
  4. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف