الثلاثاء، 12 يونيو 2012

فيلم المصلحة : مقال جديد ممنوع من النشر



السينما المصرية "مصلحة ولا مروحة" !!
تأليف:وائل عبد الله
إخراج : ساندرا نشأت
بطولة : أحمد السقا- أحمد عز
إنتاج: لؤي عبد الله
مدة الفيلم: 110 ق

في البدء
هناك تعبير معروف يجري على لسان الكثيرين في الشارع عندما يتم الاشتباه في ان هذه الفتاة او تلك على قدر من الانحراف او انها في وضع مشبوه مع احدهم, عندها ينطلق هذا التعبير المقفى الشهير"مصلحة ولا مروحة" يعني هل أنتِ محترفة وهذا زبون ام انه مجرد شاب شهم يقوم بتوصيلك للبيت! او هل انتِ ذاهبه لقضاء"مصلحة" ما أم أنكِ"مروحة" اي انتهى الدوام بالنسبة لك وفي طريقك للبيت.
لست ادري لماذا شعرت أن هذه الفكرة تنطبق على حال السينما المصرية في الفترة الحالية ليس لمجرد ذلك الجناس الكامل بين عنوان فيلم"المصلحة"وبين تعليق"مصلحة ولا مروحة" ولكن لأن هذا التعليق تحديدا يعبر-رغم سوقيته-عن الوضع الغير مفهوم والعبثي للسينما في مصر منذ ثورة يناير.
فكلما خرج علينا احد المنتجين أو النجوم بأنه(يا حرام)قرر أن يخوض تجربة هذا الفيلم او ذاك من اجل"ارزاق الناس" أي العاملين في مجال السينما ! وأنه لولا خوفه على الصناعة ما كان قد اقدم على هذه التضحية ! اشعر بإحالة كاملة تجاه مصطلح"عجلة الإنتاج"الشهير الذي كان جزء من منظومة الدعاية المضادة للثورة والميدان, حيث يبدو أن فكرة "أكل العيش" والرزق وعجلة الأنتاج هي جزء من نفس افرازات المنظومة التي تريد لكل شئ ان يبق على حاله طالما هي مستفيدة ورابحة وبالتالي لا يوجد اسهل من الخوض في مسألة الخوف على الإنتاج و"ارزاق الناس" وهو التعبير الذي استخدمه"احمد عز" تحديدا للحديث عن فيلمه الاخير.
إذن فأن الانتاج السينمائي الأن مجرد"مصلحة"طالما ان القائمين عليه يعلنون هذا بأنهم يخوضون التضحيات الانتاجية الكبرى من أجل ان تستمر عجلة الإنتاج حتى لو كان ما يُنتج غث وتفاهة وفارغ او "شارع الهرم"و"حصل خير "و"سامي اكسيد الكربون"وخلافه.
ولكن الغريب أن احدا -سوى المهتمين بالسينما من خارج الشأن الأنتاجي- لا يتعجب من ان هذه النوعية من الافلام خاصة نوعية المصلحة التي تنسب إلى سينما الامكانيات الكبيرة لا تقدم سوى هذا الهراء الفج, وكأن ثمة تعمد وقصدية أن تظل الامكانيات الأنتاجية مسخرة لصالح السطحية والأفيه الاذع وبطولات النجم الخارق الذي يمثل محور الفيلم ودعايته ومستقبل توزيعه, وبغض النظر عن تلك الدعاوي"الشاذة"من قِبل"المثقفاتيه"عن الفكرة والهدف والمضمون والجوهر وكل هذه الأشياء السمجة التي لا علاقة لها" بأرزاق الناس" او عجلة الانتاج.
ولكن بحكم منطق الشك الذي طرحناه في البداية يجب نتوقف امام طرف المعادلة الاخر وهو التساؤل عما اذا كانت السينما المصرية"مصلحة"؟ ام انها "مروحة" ؟ اي في طريقها للأفول والانتهاء !
ولا نقصد هنا الأفول الانتاجي فهناك ماكينة فلوس يجب ان تعمل طوال الوقت وهي ماكينة ضمخة متصلة بشكبة علاقات اعلانية وتليفزيونية ضخمة لا مجال للحديث عنها الان, ولكننا نتحدث عن السينما المصرية كفكر وفن وشكل وسياق تاريخي وتطور ودور ثقافي واداة وجدانية لتشكيل وعي الناس, فلسنوات طويلة اصبحت التجارب التي يمكن أن تعتبر متنفسا للسينما الحقيقية خارج عوادم وملوثات دعاوى التجارية والجماهيرية الجوفاء والغنوة والرقصة والأفيه تجارب قليلة جدا ونادرة, ثم اذ بها تتوقف تماما بعد الثورة رغم أنه من المفترض كما يقول السياق التاريخي أو حتى المنطق العام ان الجمهور الذي صنع مثل هذه الثورة يمكن أن تكون لديه الرغبة في الخروج على البيئة العامة لسينما رديئة تجرعها بإرادته او مجبرا خلال سنوات التخلف السابقة.
في رأيي ان المتابع للسينما المصرية خلال عام ونصف من بعد الثورة إلى الأن وحتى المتفائل منا يستطيع أن يتبنى كلا الرأيين وبالتالي نستطيع ان نقول أن السينما المصرية الان في الحقيقة "مصلحة ومروحة" في نفس الوقت, لأن القائمين على صناعتها وانتاجها بل وجمهورها نفسه الذي يمنح هؤلاء الصناع والمنتجين رخصا جماهيرية بختم"الأيرادات" لا يهمهم سوى المصلحة المالية او التسلية العابرة التي تضمن استمرارية "النظام السينمائي"السابق بكل ترديه وفساده في مقابل مقاومة اي محاولة"للثورة"أو"التغيير"الحقيقي, والذي يجبر-المنتجين والنجوم- على الخوض في سياقات ترفع من وعي الجمهور وبالتالي تفقدهم شرائح المتلقين العزل من الذائقة الفنية, اما المضامين والسياقات الثقافية والجواهر الباطنية فكلها لن تجد من يأسف عليها ويودعها وهي تضمحل وتتلاشى و"تروح".   
تحية للسينما الهندية
احمد السقا
اصبحت السينما الهندية بعد سنوات من الميلودراما الفاقعة والصدف السعيدة والتعيسة وقصص الثأر والاشقاء التائهين والشامة على الكتف والفيل صديقي نوع سينمائي خاص بذاته وبالتالي عندما نقول على هذا الفيلم أنه"فيلم هندي"فهذا يعني أنه قد احتوى على العناصر الاثيرة في السينما الهندية التي اعتمدت عليها طوال سنوات, وها نحن نعيد انتاجها كل فترة تحية منا للأفلام الهندية.
اولى العناصر الهندية في المصلحة هو هذا التصوير المبالغ فيه للأسرة السعيدة "اسرة احمد السقا/حمزة" ضابط الشرطة- الذي يختلط علينا الإدارة التابع لها-حيث يمهد لنا الفيلم في فصوله الأولى حالة السعادة الغامرة التي تعيشها الأسرة من خلال الأخوين"السقا والسعدني" كي يفجعنا فيما بعد بوفاة الضابط الشاب"السعدني"نتيجة اقتحام أخو سالم/أحمد عز للكمين الذي كان فيه, وهي ثاني العناصر الهندية في الفيلم, فبالصدفة يخدم السقا والسعدني في نفس المنطقة"سيناء" وبالصدفة يكون الضابط الواقف في الكمين هو أخو الضابط الذي يبحث وراء تاجر المخدرات وبالصدفة يقتل أخو تاجر المخدرات اخو الضابط ولا عزاء لأي منطق فني أو تبرير درامي مقنع.
ثالث العناصر الهندية هو فكرة الضابط"الجوكر"التي يقدمها احمد السقا فنراه في البداية يقتحم احد حقول زراعة البانجو على رأس قوة شرطية, وبعد وفاة أخيه يطلب نقله إلى مكافحة المخدرات وعندما يتم الحكم على أخو سالم بالاعدام –دون مبرر كافي- يقوم هو على رأس قوة بمهاجمة فيلا سالم والبحث عن اخيه الهارب وكأن الأخ سوف يهرب فيذهب للجلوس في فيلا اخيه-ولكنه مجرد مشهد باهت لصناعة مواجهة بين "النجمين"الكبيرين, وكأن ضابط المخدرات مهمته انتقلت إلى مباحث تنفيذ الاحكام, ولكن المنطق الهندي يقول أن القتيل"اخوه" فيجب أن يكون هو من يبحث عن قاتله الهارب, وبالتالي هو من يذهب للعثور على رفيق الكلابش الذي كان مع الاخ عندما هرب وهو الذي يذهب لأستجواب زينة عشيقة الأخ الهارب وهكذا.
رابع العناصر الهندية حكاية اخو سالم المحكوم عليه بالاعدام لانه كما يقول"صلاح عبد الله" الذراع اليمين لسالم ان اخيه اطلق النار على ضابط في الكمين,ولكنه لم يطلق عليه النار كما رأينا بل صدمه بالسيارة وبالتالي هو قتل خطأ وليس عن عمد كما ان نصف طربة الحشيش التي كان يحوذها يمكن أن تحسب تعاطي وليس اتجار وكان الاولى أن يضاعف السيناريو الكمية ليكون الحكم بالأعدام سببه الأتجار وليس التعاطي لانه في الحقيقة قتل الضابط بالخطأ والأعدام هنا هي مبالغة هندية اخرى من مبالغات الفيلم.
 ثم لا تدري متى علم الرائد حمزة بوجود شحنة/مصلحة مخدرات كبرى سوف تأتي من لبنان على يد سالم ! لقد استغرق السيناريو في بناء علاقة الثأر الميلودرامية ونسي ان يضع لنا مشهدا واحدا يمنطق فكرة انتظار المصلحة على اعتبار انها شحنة ضخمة, ولكنه الأستسهال الذي يجعله يعتبر أن المتفرج لن ينتظر هذا التبرير طالما أن السقا هو الضابط وعز هو الشرير.
ثم من اين علم حمزة أن زوجة سالم هي التي استدرجت زوجته لفخ ساذج لتوريطها في قضية مخدرات فلم يرها أحد سوى زوجة الضابط"حنان ترك", ولكنه نفس المنطق الهندي في محاولة صناعة مشاهد مواجهة بين الشخصيتين الرئيسيتين دون أن تكون تلك الموجهات في ذرى درامية مقنعة أو مكتملة.
وقد بدت ساندارا مهزوزة إخراجيا تماما مثل كادراتها الغير مستقرة طوال الوقت, حيث بالغت في استخدام اسلوب الكادر الغير مستقر وتغيير فوكس الكاميرا من واضح إلى غائم واستخدام حركة الكاميرا"الهارد نيوز"المستوحاة من عملية تغطية الحوادث الساخنة حيث يبدو هذا الأسلوب ساذجا هنا ونمطيا لكثرة استخدامه وغير متفق مع الكثير من المواقف الدرامية, فلماذا تستخدم هذا الأسلوب مثلا في مشهد عادي يجمع الأخين مع زوجاتهم في السيارة او في منزل الاخ! وهي مشاهد "ريليف"بالأساس وتمهيد ميلودرامي لفاجعة موت الاخ, ولا يمكن تبرير الأفراط في هذا الأسلوب بالعودة إلى ان احداث الفيلم حقيقية وبالتالي محاولة تصويرها بشكل اقرب للمواد الوثائقية التي تغطي الحروب او المواجهات الحية فهذا ايضا ليس مبرر كاف.
ولأن الفيلم بلا مضمون تقريبا فأن ذهن المتلقي يبحث في بعض مناطق الميلودراما على اي هدف من وراء هذا الصراع الدامي غير فكرة حماية مصر من خطر المخدرات وهي الفكرة التي استهلكتها افلام المقاولات في الثمانينيات ولهذا قد يتصور البعض أن الهدف هو تحسين صورة الشرطة ممثلة في قيام البطل المحبوب /السقا بدور الضابط الشريف و"استشهاد"أخيه الذي كان جالسا"بيحب" في بوكس الكمين, ثم هذه الجنازة العسكرية المهيبة التي تضم كل الرتب الثقيلة على اعتبار انه شهيد للواجب, رغم أن مثل هذا التأطير"للشهادة"كان يحتاج إلى مشهد اقوى تحدث فيه مواجهة بين الضابط والمقتحم وليس مجرد"حادث تصادم".
وموت الضابط خفيف الظل وهو"بيحب "احد العناصر الهندية الاصيلة حيث يجعل الدموع تفر من عيون المشاهد وكان ينقصنا اغنية أحمد مكي الهندية من فيلم طير أنت لأستكمال الطقس الحزين.
ولكن نتصور أن فكرة تجميل صورة الشرطة لم تكن هدفا لصناع الفيلم لأن الفيلم ببساطة ينتمى لسينما الاهدف وصُناعه ليسوا بالمراهقة الفكرية التي تجعلهم يضعون انفسهم في مواجهة الحقد الجماهيري على الشرطة والذي يمكن أن ينتقل في ولا وعي المتفرج إلى كراهية الفيلم أو اتخاذ موقف سلبي منه, ولكنه مجرد خطأ ربما سببه ان الفيلم مكتوب قبل الثورة أو ان صناعه لم ينتبهوا إلى أن هناك ثورة في مصر فاستمروا يصنعون أفلامهم بنفس التركيبة القديمة.
احمد السقا في اقل حالاته ادائيا هنا حيث لم يتمكن من الأحتفاظ بوجه الأخ صاحب الثأر بشكل متقن وتحولت ملامحه مع خشونة صوته"الغير فنية"إلى نوع من"الحزق"اما"عز"فيبدو أن المخرجة قد صورت له الشخصية القوية والعنيفة لتاجر المخدرات على أنه يجب أن يصرخ و"يجعر"طوال الوقت وما بين "الحزق"و"التجعير" هبط مستوى الأداء وهو ما يحسب ايضا ضد مخرجة العمل.

  

هناك تعليق واحد:

  1. حكاية"ارزاق الناس"التي وردت في سياق الحديث عن السينما المصرية على لسان أحد عز تحتاج إلى حديث مطول في حد ذاتها ربما نتناوله بالتحليل في مقال قادم ولكن هذا النوع من النجوم تحديدا والذين يكتفون بصناعة فيلم واحد في السنة او تسعدهم الصدفة بفيلمين بينما يتفرغون بقية العام للإعلانات التليفزيونية والبرامج التي يتقاضون فيها آلاف الدولارت المدفوعة من شركات السمن والزيت والبامبرز نقول أن هذا النوع من النجوم الذي يطنطن بشعار ارزاق الناس لا يقدم سوى عمل في السنة يتقاضى عليه الملايين ولو انه حقا خائف على ارزاق الناس لرأيناه في اكثر من فيلم طوال العام طالما هو واثق انه جزء من اسباب الرزق للناس بحكم نجوميته و"موهبته الفذة" ! فالغريب أنه رغم الحديث عن "تطور" مزعوم للانتاج في السينما المصرية فإن هذا الجيل سوف يخرج بقائمة افلام صغيرة جدا في نهاية مشواره على عكس الاجيال السابقة التي كانت تعمل بالفعل في مهنة التمثيل وليس كلوجو دعائي في الفضائيات والأعلانات

    ردحذف