الجمعة، 8 يونيو 2012

فيلم ريكلام .. المقال الممنوع من النشر



ريكلام
افلام في الضياع..في الضياع

تأليف : مصطفى السبكي
إخراج : على رجب
بطولة : غادة عبد الرازق – رانيا يوسف
إنتاج : مارلين فانوس
مدة الفيلم : 110 ق

في أغنية المؤدي الشعبي"هوبا"التي يتغنى بها في الفيلم يقول"في الضياع..في الضياع..كلنا في الضياع" وهي تقريبا الحالة التي تصيب المتلقي عند مشاهدة"ريكلام" فهو ليس فيلما عن الضياع الأنساني او السقوط, ولكنه فيلم عن ضياع السينما على ايدي مجموعة من انصاف الموهوبين واصحاب الرؤى الضحلة.
 يبدأ ريكلام بالقبض على اربعة من فتيات الليل في قضية دعارة(غادة عبد الرازق ورانيا يوسف وانجي خطاب ودعاء سيف الدين)وفي الطريق إلى قسم الشرطة تبدأ الذكريات في التداعي بمخيلتهم ويظن البعض أن كتابة جملة مستلهم من قصص حقيقية يمكن أن تكسب التجربة عمقا ولكن عقب المشاهدة تكتشف أن مسألة القصص الحقيقية مجرد متاجرة رخيصة  بواقع مفتعل.
السيناريو مبني بطريقة خاطئة سينمائيا حيث ينتقل ما بين الفلاش باك وما بين الحاضر في تقاطعات متنافرة وغير مبررة فلا ندري هل يتم رواية الفيلم من خلال ذاكرة جمعية لبطلاته أم ان كل شخصية تتذكر على حدا أم ان هناك راوي عليم يروي كل هذا ويريد أن يلصقه إلى جانب بعضه دون دراية بكيفية فعل هذا.
بمجرد أن تبدأ الذكريات نكتشف أن الشخصية الرئيسية"غادة عبد الرازق"تتذكر احداثا لم تشهدها! مثل جلسة زوج امها مع تاجر المخدرات الذي يبوح له برغبته في الزواج منها.ثم تتداخل ذكريات"غادة"مع ذكريات كفاح"رانيا يوسف"في عملها كمندوبة مبيعات دون أن يكون ثمة علاقة بينهم أو تعارف مسبق يمكن أن يؤطر هذا التداخل الغامض والغير مؤسلب, ثم فجأة ايضا نجد"رانيا"تكمل حكايتها للضابط الذي قبض عليهم من النقطة التي توقفت عندها الذكريات وكأنها  كانت تروي كل هذه الاحدث للضابط- وليس لوكيل النيابة مثلا كما تقتضي التحقيقات-ثم انها ليست حتى تحقيقات ولكن كل منهم تتذكر وتحكي قصة حياتها لضابط مباحث الآداب وهي ذكريات لا علاقة لأحد بها في القضية الجنائية.
 ولكن ما شأن المؤلف بهذه التفاصيل التي تخص السرد والحبكة! يكفيه أن يجمع كل العناصر الميلودرامية الخالصة في قصص الفتيات الأربعة لكي يجبر المتلقي على أن يشهد أن لديهم كل الحق في الأنحراف والأنجراف في حياة "الليل" و"الجسد" والأقواس هنا مقصودة للأشارة إلى المخرج حسن الأمام صاحب أشهر تجارب افلام فتيات الليل في السينما المصرية.
فمن زوج الأم القاسي الذي يأخذ فلوس غادة عبد الرازق إلى زوج خالتها الذي يحاول اغتصابها ثم زوجها تاجر المخدرات الذي يقبض عليه ويتركها مع بنتها الوحيدة التي لابد ان تموت في النهاية كعقاب ألهي, ومن انجي خطاب بنت الأغنياء التي يخسر ابوها فلوسه بالبورصة فتصطحبها امها مباشرة للعمل بالدعارة المقنعة في نادي للمساج تملكه خالتها المنحرفة هي وابنتها العاهرة, ومن رانيا يوسف حيث الفقر المدقع لمندوبة المبيعات إلى الصديقة المنحرفة التي تقودها لطريق الرذيلة لأنها تكره فيها تمسكها بالاخلاق, ومن الأخ الأكبر لدعاء سيف الدين الذي يضربها بعنف ويجبرها على الزواج من رجل يكبرها في السن تكتشف عجزه جنسيا فتندفع للأرتماء في احضان عشيق سافل يدفعها للعمل كراقصة ثم يسرق مالها و يهرب.
إلى جانب الميلودراما فأن المؤلف يكتب بمخيلة(كاتب افلام البورنو)الذي يتفنن في صياغة مواقف تقود كلها في النهاية إلى الفراش أو الجنس او الحديث الأباحي عن الجسد والرذيلة, سواء كان هذا عبر الصدفة أو القصدية الفجة, ففي النهاية يجب أن يحتشد الفيلم بأكبر كم من العري والرقص والأيحاءات الجنسية التي تبدأ من القبلات والأحضان وتصل إلى صعود"غادة" من اسفل مائدة في كباريه درجة ثالثة بعد ان منحت رجلا قبيحا جنسا فمويا.
ولم تكن اشارتنا لحسن الأمام بالبريئة حيث يبدو المخرج متأثرا بالعديد من الأفلام المصرية القديمة والحديثة فيقتبس منها ما يشاء بلا حساب مثل مشهد معانقة احد البطلات لعشيقها في غرفة النوم خلف الزجاج المموه والمأخوذ بالكادر من لقطة القبلة بين"شريف منير"و"علا غانم" في فيلم "سهر الليالي"ومثل مشهد الصدفة الخارقة لدخول زوج رانيا يوسف عليها في فراش رجل الأعمال الذي من بين كل رجال الأعمال في مصر يعمل لديه الزوج كسائق, ليذكرنا المشهد المنقول ايضا بالكادر بالمشهد الشهير لدخول ابراهيم خان على سعاد حسني في فراش رشدي اباظة في فيلم المخرج كمال الشيخ"شروق وغروب", بالأضافة إلى سرقة ساذجة من فيلم "امراة جميلة" من خلال خط رجل الاعمال البورسعيدي صبري فواز الذي يصطحب غادة في اوتيل لمدة اسبوعين كي تثبت أنها اكثر سحرا من"جوليا روبرتس"سواء في مشهد الأستحمام برغاوي الصابون الشهير أو محاولتها اطعامه العصير واللبن على الأفطار بشكل متلعثم ومفتعل.
وليس من الغريب أن تتلاقي مخيلة"كاتب البورنو"مع رؤية المخرج على رجب لمشاهد الفيلم, فالمخرج مهما كان المشهد جديا تجده قادر على ادخال عنصر الجسد فيه بسلاسة شديدة ففي مشهد الحديث بين انجي خطاب الفتاة الغنية وأمها"مادلين طبر"وخالتها"ايناس مكي"حول وضعهم المالي الخطير والمتردي نجده يقدم لنا المشهد على حمام السباحة حيث تجلس"انجى" بالهوت شورت و"مادلين" بفستان مكشوف الصدر إلا قليلا وايناس مكي بأفخاذ عارية والوجه  الجديد/المجهول في حمام السباحة بالمايوه, وتتخذ الكاميرا زاوية منخفضة تتيح للمشاهد التمعن في الأفخاذ والسيقان دون الشعور بالذنب لأن الحوار يفوته, فالنتيجة معروفة سلفا! الجميع سوف ينحرف والكل سوف يكشف عن المزيد من اللحم الأبيض.
المخرج علي رجب
كذلك يتفنن المخرج في أخذ رد فعل ممثلاته بشكل غريب حيث يبدأ لقطة رد الفعل من أخمص القدم مستعرضا الجسد كله وصولا إلى الوجه, وهي اغرب حركة كاميرا لاخذ رد فعل ممثلة, حيث تبدأ اللقطة من الأقدام مرورا بالسيقان فالبطن فالصدر إلى الوجه الباكي أو الغاضب أو المحبط وبعد أن يكون المشاهد قد نسي السبب وراء رد فعل الممثلة خلال الرحلة الطويلة من القدم للوجه عبر الجسد المكشوف دائما.
لم تتحرك غادة عبد الرازق خطوة واحدة بأتجاه الأمام  على مستوى الأداء بل أن وجودها مع فتيات اصغر سنا جعل علامات التقدم في العمر واضحة عليها, وربما افلتت رانيا يوسف قليلا من نمطية الشخصية التي قدمتها خلال الفترة الماضية(في مسلسل"اهل كايرو"وفيلم"واحد صحيح") ونعني بها شخصية المرأة الشهوانية ذات النفوذ الأنثوي الطاغي على الرجال, أما "انجي خطاب"فلا يزال امامها الكثير لتتعلمه عن فن التمثيل بالملابس وليس بدونها, وأخيرا الوجه الجديد"دعء سيف الدين" فهي ابرز دليل على ضعف امكانيات المخرج في التعامل مع ممثلة بلا خبرة ولا موهبة ولا قدرات ادائية فهي تنطق جمل الحوار كأنما تقذفها في وجه المشاهد وبدون ايقاع لغوي أو فواصل, كأنما تحوشها ثم تقولها فجأة وبسرعة تمنع الفهم.
تبقى الأشارة لأن اسم الفيلم لا علاقة له بموضوعه فمصطلح ريكلام الذي لا يرد أي تفسير له في الفيلم أو تحليل لدلالته هو كلمة تطلق على الفتيات الائي يجالسن زبائن الكباريهات والبارات من أجل استنزاف اموالهم في طلب الخمور واغداق "النقطة" على الراقصات وهو التفسير الذي صرح به المؤلف وبطلات الفيلم في احاديثهم الصحفية على اعتبار أن الأحاديث الصحفية هي جزء من اسلوب السرد الفيلمي الجديد فالعنوان لا معنى له الا اذا قرأت حوارا صحفيا مع المؤلف بينما الفيلم في الحقيقة يتحدث عن قصص فتيات الليل وكيف أن السقوط مبرر وقدري ومكتوب على الجبين. 
لو طبقنا مقولة المنظر السينمائي الألماني"سيغفرد كركاور" في كتابه "تاريخ سيكولوجي للسينما الألمانية" على فيلم ريكلام والتي تقول بأن السينما لا تعكس روح وشعور ووجدان الامة في الفترة التي انتجت فيها تلك الأفلام فحسب ولكن توفر كذلك متنفسا للرغبات والأمزجة المقموعة لتلك الأمم فهذا يعني ان الأمة"المصرية" تعاني من ازمة حضارية خطيرة ليس فقط على المستوى الثقافي أو الفني ولكن على مستوى الوعي والوجدان الجمعي ولن يطول"الضياع" وقتها السينما فقط ولكن الامة كلها.  

   

هناك تعليقان (2):

  1. دعوني احكي لكم حكاية هذا المقال رغم اني كنت انوي ان احتفظ بها لحين بلوغي الستين حيث قررت لو اطال الله في عمري ان اكتب كتابا بعنوان افشاء الأسرار لكن ما سوف احكيه هنا ليس سرا بالمعنى الحرفي:
    في رمضان الماضي اختير مسلسل النجمة الكبيرة التي هي نفسها بطلة الفيلم للعرض بشكل حصري على القناة التي يعمل بها رئيس التحرير كمقدم برامج وبالتالي تم منع الناقد الشاب العنيف من كتابة اي مقال"شمال" عن المسلسل المأخوذ عن قصة فيلم قديم وتم عمل ندوة للفيلم بالجريدة تصدر فيها رئيس التحرير صورة اللقاء الذي تحدثت فيه النجمة عن ابداعها وكيف تعبت من الرقص طوال الحلقات..
    بعد عدة اشهر ينزل فيلم النجمة إلى السوق ويتاح للجميع ان يكتبوا عنه او ينقدوه إلا الناقد الشاب لأن رئيس التحرير يرفض الهجوم على فيلم النجمة رغم انه نعت -اي الفيلم- بأقذع الصفات لكن مرة اخرى تتصدر صفحة الفن بالجريدة ندوة هامة عن الفيلم.. ولكن الناقد الشاب لا ييأس ويحاول بعد رحيل رئيس التحرير ان ينشر المقال لكن قرار المنع يظل ساريا إلى ما لا نهاية

    ردحذف
  2. مشوفتوش بس متوقع كل ده
    نقد جميل بالمناسبة و حكاية المقال متوقعة فى بلد بنت مرة زى دى
    مفيش احلى من الفرى لانس او الأندرجراوند
    مبروك المدونة

    ردحذف