السبت، 13 أبريل 2013

هرج ومرج - اول افلام نادين خان




تلك الفوضى الخلاقة


سيناريو وإخراج : نادين خان
حوار : محمد ناصر
تمثيل: محمد فراج- صبري عبد المنعم- آيتين عامر
          رمزي لينير – أسامة عطيه
مدة الفيلم: 76 ق
إنتاج : ويكا للأنتاج والتوزيع الفني

ضمن سبعة مسابقات ضمتهم الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي(9-16ديسمبر) ومن بين 16 فيلما تنافسوا على جوائز مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة استطاعت المخرجة المصرية الشابة نادين خان أن تنتزع جائزة لجنة التحكيم بفيلمها"هرج ومرج"أولى تجاربها الطويلة بعد عدة افلام قصيرة كان أهمها"واحد في المليون".
إلى جانب هذه الجائزة فازت مصر بجائزة افضل ممثل لعمرو واكد عن دوره في فيلم"الشتا اللي فات"إخراج ابراهيم البطوط في نفس المسابقة, وجائزة أفضل فيلم روائي قصير في مسابقة المهر العربي للأفلام القصيرة عن فيلم"نور"للمخرج أحمد  ابراهيم, وجائزة أفضل ممثلة في مسابقة المهر الآسيوي الأفريقي للأفلام الطويلة لعايدة الكاشف وهي المخرجة الشابة أبنة الراحل الكبير رضوان الكاشف, والتي فاجأت الجميع بتمثيلها في فيلم هندي بعنوان"سفينة ثيزيوس"للمخرج اندانا غاندي وحصولها على الجائزة.

مجتمع مغلق
تبدأ نادين فيلمها بمشهد لمجموعة من الشباب المتعطلين يجلسون فيما يشبه اطلال معبد قديم, إنه ليس معبدا بالمعنى الحرفي لكن من زاوية التصوير المنخفضة والأعمدة شبه المتهدمة والسقف المفتوح على السماء يعطي الأنطباع الشكلي بكونه اطلال معبد قديم متهدم, إنهم إشبه بمن يجلس على أطلال مجد غابر, حولهم أكوام من القمامة ودخان كثيف من جراء حرقها يلف المكان, بداية واقعية بأسلوب شعري يكرس لطبيعة المجتمع الذي سوف تدور خلاله الأحداث. ذلك المجتمع الغامض الذي لا هو بالعشوائي ولا الشعبي, لكنه يعيش على دخلو عربات المساعدات الخارجية من لحم وخضار وحلوى ومياه وغاز, مجتمع يعتمد بشكل شبه كلي على قوى خارجية تعينه على الحياة.
لا يحاول السيناريو البحث وراء هذا العالم أو أسباب وجوده, انه فقط موجود ليصبح نموذجا أو معادلا دراميا, قد يكون كناية عن مصر خاصة عندما نشاهد الهرج والمرج حول عربات الغاز والخضار ومحاولة سرقة اللحم, أو قد يكون اي مجتمع متخلف حضاريا يعيش على المساعدات الخارجية بينما لا ينتج شيئا, وشبابه إما متعطلين كما مجموعة الشباب الذين نراهم في بداية الفيلم, او منخرطون في ممارسة الرياضة والتي على رأسها كرة القدم التي تبدو هي الأخرى جزء من الأستعارات الكثيرة عن المجتمعات الغارقة في وسائل التغييب.
تقول نادين أن الفكرة بدأت معها عندما كانت تصور في مخيم عين الحلوة بلبنان, لكن قوة السيناريو في انه يتجاوز السبب للنتيجة أو النتائج, داخل هذا المجتمع الغير منتج تصبح الحياة خطيرة, ثمة فوضى شعورية وإنفعالية نلمحها في علاقات الشخصيات ببعض, الحاج سيد كبير الحي والوحيد الذي نراه يقوم بعمل ما(البيع والشراء)يدخل في علاقة سرية مع أم هند بعد أن أصيب زوجها بالعجز, نرى الزوج غارق في دخان الشيشة وندرك من خلال معاملته للزوجة والحاج, وإشرافه الغير أخلاقي على علاقتهم أنه فقد معنى الرجولة وليس فقط أدواتها.
 منير وزكي نموذجان لشباب الحي, قابيل وهابيل حداثيين يتصارعان على حب منال/ آيتين عامر بنت الحاج سيد, منير/رمزي لينير يجلس عواطلي طوال اليوم تحت اطلال المعبد القديم بينما زكي/محمد فراج  يخرج طاقته في التدريب الجسماني, شخصيات متناقضة تصلح لأن تكون خصوما في أقدم صراع بشري.
زكي مندفع إنفعالي أهوج, منير هادئ مراقب باطني, أما ساحة الصراع فهي المنطقة الخالية وسط الحي, انها نموذج لخشبة المسرح أو الساحة الرومانية القديمة او السوق الشعبي, تتداخل الأشكال والأصول لكن تظل الدلالة واحدة.
في تلك الساحة تقام مباريات كرة القدم التي تعتبر وسيلة الصراع وأرض المعركة بين الأطراف, تتوقف عربات الخضار واللحم والغاز, يجاهد البعض كي يخفي حقيقته ومشاعره مثل الحاج سيد بينما يجاهر البعض الاخر بإنفعالاته وأفكاره مثل الكابتن العصبي/هاني المتناوي, انها خشبة مسرح الحياة بكل قوتها الدرامية.

بين موتين وحياة
تقدم نادين زمنا مكثفا وبطيئا لكنه متصاعد في نفس الوقت, الأحداث تدور في أسبوع واحد تقريبا أو ما يشبه الأسبوع, حيث تبدأ من صباح الأثنين إلى صباح الأثنين الذي يليه, ربما كان أسبوع واحدا وربما أيام مقتطعة من عدة أسابيع متلاحقة, لكنها داخل هذا الأسبوع المتخيل يوجد يوم واحد تقريبا من الصباح إلى الظهر إلى الغروب إلى المساء, أي إنه زمن داخل زمن ووقت داخل وقت, يفيد هذا التكثيف في الشعور بمدى عزلة هذا المجتمع ووجوده داخل زمن خاص به أو خارج الزمن العادي, إنه جزء من عملية الأيهام الدرامية مثله مثل صوت الأذاعة الداخلية التي تشبه بوح النفوس وصوت الأفكار.
داخل هذا المجتمع توجد إذاعة داخلية بصوت الممثل سيد رجب تعلن عن مواعيد قدوم عربات المساعدات الخارجية وعن الاهداءات التي تنتقل من شخص لآخر, إنها ليست للتسلية والترويح فقط ولكنها الصوت السينمائي لما يختلج في وجدان الشخصيات, وإن كان الميكساج لم يمنحها حضورها المؤثر داخل شريط الصوت فطغت عليها الكثير من أصوات البرويه والحوار في المشاهد وأفقدتها سحرها وتألقها كتعبير عن الداخلي والخاص.
يبدأ الفيلم عقب مشهد المعبد القديم بنعش يسير في جنازة بطيئة وينتهي بجنازة آخرى هي جنازة الكابتن صديق زكي الذي يسقط ميتا جراء تناوله المنشطات وأنفعاله الزائد, وبين قوسين الموت  تولد الحياة, تتمثل المخرجة الحياة مثل يوم كامل من الصباح إلى المساء, الحياة هنا تبدأ بالموت وتنتهي بالموت أيضا, لكن ما بين الموتين ثمة حب وصراع وهزيمة وانتصار, ثمة مؤامرات ودسائس, لا يوجد خير مطلق ولا شر مطلق.
يتمكن منير من سرقة موبيل الحاج سيد ويهدده بالكليب الذي صوره لام هند, ويراهن زكي على منال من خلال مباراة كرة قدم, منال تحب زكي لكنه لا يصارع من أجلها أما منير فيحشد كل إمكانياته من أجل الحصول عليها, يفوز بها في النهاية لتصبح زوجته وتبدو في المشهد الأخير سعيدة بوقوفها في شرفة حجرته مرتدية ملابس العروس الملونة, البقاء إذن للأذكى والأهدأ والأخبث.
بينما يفوز منير بمنال يخرج زكي من الصراع حاملا نعش صديقه الذي سقط اثناء المبارة ميتا بينما كان ينوي قتل منير, انها متناقضات الحياة الغريبة ذات الوجود الغامض والتفسيرات اللانهائية.
كاميرا نادين خان حرة, تكويناتها لا تعنى بالجمالي الشكلي قدر ما تعنى بالداخلي, في لقطات بيت أم هند نرى الحاج سيد مع أم هند وهند حول مائدة الطعام بينما زوجها في الداخل في عمق الكادر ليكثف لنا التكوين دلالة العلاقات, تنتقل الكاميرا بين النظرة الذاتية للشخصيات والموضوعية للاحداث بحسب أفكار الشخصيات وانفعالاتها, الفيلم في النهاية هو بناء علاقة بالنظرات, تختار نادين وجوه الكومبارس كبيرة الملامح في خلفية اللقطات لتعبر دون أن تتحدث كثيرا ولكن يظل ضجيجها حاضر وفوضوى وجودها واضحة.
مشكلة نادين مشكلة ايقاع فيما يخص مشاهد الطوابير والتزاحم على الغاز والخضار واللحم وهي مشكلة سببها محاولة تجسيد الهرج والمرج بصريا, وكان على المونتيرة دينا فاروق التي هي نفسها منتجة الفيلم أن تعيد ضبط زمن هذه المشاهد, فالهرج والمرج ليس ماديا فقط لكنه معنوي ونفسي ايضا, يكفينا شخصية مثل توك توك التي قدمها اسامة ابو العطا بكل شيطانيتها وقدرتها على بث الفتن والسموم وتحميض النفوس, تجسيد مادي لفكرة الشيطان بشرها.. وخيرها أيضا ان جاز التعبير, لقد تمكن في النهاية من تحقيق خطة منير للزواج من منال.
أزمة الفيلم الأساسية تكمن في عدم دقة التشخيص, بمعنى أن ثمة مسافة غير فنية بين حوار الشخصيات وانفعالها, ثمة برودة او بطء او تأخر, يشعرك التمثيل أن الحوار يأتي قبل الأنفعال او بعده وليس متطابقا معه, الشخصيات تتحدث ثم تُعبر أو تُعبر ثم تتحدث, وقليلة هي المشاهد التي يتطابق فيها التعبير مع الحوار, اي يتطابق اللفظ والأنفعال.
ومع وجود مجموعة جيدة من الممثلين أصحاب الموهبة يمكن أن نعود بتلك المشكلة إلى توجيه المخرجة ذاتها وعدم قدرتها على التعامل مع ممثليها, ربما بسبب قلة الخبرة بحكم كونها تجربة  أولى أو لأسباب انتاجية كالتعامل مع اللقطة مرة واحدة دون وجود إمكانية لإعادتها أو تجويدها.
لكن يحسب لها إفرادها شريط الصوت للأصوات الطبيعية دون إثقاله بالمؤثرات والموسيقى التصويرية, التي ربما أخذت الصراع إلى سطحية ميلودرامية أو ركاكة هزلية.
أكتفت المخرجة بفواصل موسيقية لحسن خان معزوفة على البيانو في تيمة صوتية أشبه بتيمات البيانولا الكلاسيكية, مما أعطانا انطبعا شعبويا بأننا نشاهد صندوق الدنيا, وهو إنطباع جيد ومؤثر خاصة مع أجواء الفيلم وشخصياته.


  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق