"الهجوم"
أزمة الأنحياز
اسم الفيلم:
الهجوم
تأليف وإخراج:
زياد الدويري
بطولة : علي
سليمان-ريموند المسيليم
إنتاج: جون بريها
– رشيد بو شارب
مدة الفيلم: 99 ق
توج
فيلم"الهجوم"للمخرج زياد الدويري بجائزة النجمة الذهبية وهي الجائزة
الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش وذلك ضمن عروض المسابقة الرسمية(30 نوفمبر-8
ديسمبر) متفوقا بذلك على 14 فيلما هم حصيلة افلام المسابقة للدورة الثانية عشر
والتي رأس لجنة تحكيمها المخرج البريطاني الكبير جون بورمان.
الفيلم يحمل اسم مصر
إلى جانب لبنان وقطر وبلجيكا في خانة الدول المنتجة وذلك حسب ما ورد في كتالوج
المهرجان وبهذا يمثل الفيلم المشاركة المصرية الوحيدة ضمن ال 80 فيلما المشاركة في
فعاليات الدورة.
الهجوم ليس فيلما تقليديا
عن القضية الفلسطينية او الصراع العربي الأسرائيلي انه فيلم عن ازمة الأنحياز
وبناء الرأي, قبل التيترات نرى مشهد وداع البطل امين الجعفري لزوجته في كادر ضيق
لا يظهر سواهم, انها تقول له أنه في كل مرة ترحل عنه او يرحل عنها يموت جزء من
روحها, هذا الأرتباط الروحي سوف يكون جزء من معاناة البطل خلال رحلة بحثه عن
الحقيقة وراء تورط زوجته في هجوم استشهادي على مطعم بتل ابيب.
خلال مشهد واحد فقط
عقب التيترات يكثف لنا السيناريو شخصية أمين الجعفري كاملة, انه جراح اسرائيلي من
اصل فلسطيني-عرب 48- يتم تكريمه في جمعية الجراحين الأسرائيلية ليكون اول شخص من
اصول عربية يحصل على جائزة بن اليعازر في الجراحة, يتقدم امين ويلقي كلمة معبرة عن
موقفه السياسي من اسرائيل الذي تغير نتيجة ما حققه من نجاح عبر الدارسة والعمل
بها, انه يبنى موقفه مغلفا اياه بنظرة انسانية عندما يقول"لقد تغير شعوري
عندما وجدت من هو في حكم العدو راقدا على منضدة الجراحة امامي" هذا التكثيف
الدرامي يستتبعه تكثيف بصري عندما نشاهد سيارته الفاخرة وفيلته الأنيقة وبطاقة
الهوية الأسرائيلية التي يحملها ويعرضها للجندي عند توقفه ليلا.
في الصباح نكتشف البعد
الاجتماعي لعلاقاته في المجتمع الذي يعيش فيه(المستشفى), صديقه رجل الموساد الذي
انقذ امين امه بعملية خطيرة, وزميلته التي تكن له مشاعر عاطفية واضحة وزميل اخر
يبدو نموذج للعنصرية المقننة حيث يبدو مستكثرا على امين المركز المعنوي والمادي
الذي وصل له(رغم كونه عربيا), في الخلفية تبدو تل ابيب مدينة فضائية شديدة الفخامة
والرقي والتحضر وهي خلفية مقصودة للدلالة على كون هذا الجتمع براق وشديد الجاذبية
من الخارج.
عندما يحدث الانفجار
تبدأ نقطة الهجوم على المتلقي والشخصية الرئيسية في نفس الوقت, الانفجار حدث في
مطعم واغلب الأصابات من الأطفال, هنا تبدأ ازمة الأنحياز في الظهور, الاطفال يبكون
معذبين من اثر الجروح وبعضهم مات, يضعنا المخرج امام مأزق التعاطف الأنساني لزاوية
السؤال الصعب, هل تقبل بقتل طفل ؟ وتصبح الاجابة من داخل المتلقي اليسوا هم ايضا
قتلة اطفال!!
اختيار المخرج لفكرة
موت الأطفال في التفجير الأستشهادي(الأرهابي في لغة الشخصيات الأسرائيلية) اختيار
شديد القوة دراميا انه يتعمد توريط المتفرج في ازمة الأنحياز والمأزق الأنساني
العام للصراع.
في البداية يرفض امين
كل الأتهامات ويصر ان زوجته ماتت فقط في الأنفجار, ولكنه يرفض كونها هي
الأستشهادية التي تسببت فيه,"انها مسيحية" يكرر ذلك كأنه يدافع عنها,
وهو ايضا اختيار شديد القوة من صناع الفيلم, مسيحية تعيش في تل ابيب زوجة جراح
ناجح وثري ما الذي يدفعها إذن لتفجير نفسها كي تستشهد؟!
المخرج زياد الدويري |
يحاول المخرج
الأستغراق في حيرة أمين النفسية عبر لقطات خاطفة للقائه بزوجته, في مشهد هام نراهم
في بداية التعارف عبر الفلاش باك عاريين في الفراش, انها ذاكرته التي تستدعي هذا
المشهد ليصبح دلالة على كونه كان يظن انها تعرت امامه, اي كشفت كل اسرارها وكشف
لها كل اسراره, فيما بعد سيعلم حجم الأسرار التي كانت تخبئها, لقد انحازت واصبح
لها قضيتها التي هي قضية سياسية في المقام الاول وليست قضية دينية أو اجتماعية.
هذا ما سوف يقوله له
القس الذي سيقابله في نهاية رحلته في نابلس,"لسنا اسلاميين ولسنا مسيحيين
متعصبين نحن اصحاب قضية", هذه القضية كانت غائبة تماما عن امين وعن امثاله من
المستغرقين في حياتهم داخل المجتمع الأسرائيلي, الفيلم لا يجبر شخصيته على
الأنحياز ولكنه يتابع معها ولنا كيف يتشكل هذا الأنحياز ليصبح ضرورة لا مفر منها.
تتخذ الكاميرا في
لقطات كثيرة وجهة نظر الشخصية/امين انها فكرة الآية الشهيرة من انجيل
يوحنا"لقد كنت اعمى والأن صرت مبصرا"ان اتخاذ الكاميرا وجهة نظر الشخصية
اشبه بعملية متابعة التبصير الذي يحدث لها, في مشهد ساذج يعرض سائق التاكسي على
امين أن يستمع إلى خطب الشيخ مروان احد دعاة الجهاد ضد اليهود/الأسرائيليين مما
يدفع امين للذهاب كي يقابل الشيخ ظنا منه انه كان السبب وراء اقتناع زوجته بفكرة
المهمة الأنتحارية.
هناك ينكر الشيخ كل
صلة له بالزوجة /البطلة التي اصبحت صورها معلقة في كل مكان على حوائط نابلس, تزداد
حيرة أمين لأنه يبحث عن سبب وقد ظن انه سوف يجده في الدين.
يدافع الفيلم هنا عن
الأستشهاديين الذي يقال انهم يقومون بهذا من أجل الجنة, تذكرنا هذه التيمة الفكرية
بفيلم هاني ابو اسعد"الجنة الأن", في جملة مؤثرة يسأل ضابط الموساد أمين
اثناء التحقيق"الذين يقومون بعمليات انتحارية ينتظرون حور العين في الجنة
ولكن زوجتك كأمراة ماذا تنتظر هناك؟" هذا السؤال يصبح جزء من الاجابة نفسها,
انها تنتظر وطنا محررا, يرفض الفكر الصهيوني هذه الفكرة ويروج عبر مسمع اذاعي
يستمع له امين بأن الأستشهاديات يعانين من مشاكل اجتماعية ونفسية, ويضربون مثلا بكون
وفاء ادريس اول استشهادية فلسطينية كانت عاقر مطلقة.
لكن زوجة الطبيب لم
تكن عاقر او مطلقة او دميمة او فقيرة, لا اسباب دينية او اجتماعية او نفسية وراء
اقدامها على تفجير نفسها سوى الأنحياز للقضية.
من عينا امين نرى جندي
اسرائيلي يتحرش على الحدود بشاب فلسطيني ويكاد يقتله, من عينا امين نرى جدار الفصل
العازل, نرى نابلس التي تتناقض في مظهرها الفقير وفخامة تل ابيب وتحضرها الظاهري,
هنا يصبح توحد الكاميرا مع عين الشخصية جزء من الشكل والمضمون على حد سواء.
لم يتورط الفيلم في
ازمة بوليسية مفتعلة, ان ذروة الصراع النفسي لدى الشخصية ليست في التأكد من كون
زوجته هي الأستشهادية ام لا ولكن لماذا فجرت نفسها! ولهذا ينتهي السيناريو سريعا
من تلك التفصيلة عبر الخطاب الذي يصل للزوج من زوجته ويصبح سبب رحلته إلى نابلس كي
يجيب على السؤال الأهم"لماذا؟".
الخطاب قادم من نابلس
ليس من أجل التوضيح ولكن من اجل الأستدراج, هنا يتماس الخط السياسي العام بالخط
النفسي والعاطفي الشعري, يتكامل هذا الخط بمشاهدة الزوج للفيديو الخاص بالعملية,
وهو مختلف كل الأختلاف عن فيديوهات الأستشهاديين, فلا قراءة لأسباب الأستشهاد ولا
القسم بالله ورسوله على التحرير ولا وعود باللقاء في الجنة, ولكن مجرد الوجه الأخر
للمكالمة التي رأينها في بداية الفيلم والتي تلقاها الزوج قبل تكريمه بثوان.
ان الزوجة لا تضع
نفسها كجزء من عملية المقاومة والتحرير ولكن كقربان شعري من أجل تغيير موقف الزوج,
انها لم تعد ترضى عن عدم انحيازه, لم تعد ترضى بأن تراه منحازا للجانب الخطأ.
فكرة القربان او
الفادي هي اقرب للعقيدة المسيحية التي تعتنقها الزوجة وبهذا يصبح لأستشهاد الزوجة
دلالة عاطفية وسياسية في نفس الوقت ويصبح تغير موقف الزوج وبداية انحيازه مقنعا
وهو ما نلمسه في حوار الانفعالي مع صديقته وزميلته الطبيبة الأسرائيلية التي كان
التعاطف والمغازلة واضحا من جانبها في البداية, ويلخص السيناريو شعورها بتغير موقف
امين من خلال انتقالها من الحديث بضمير المتكلم(أنا)العاطفي الشخصي إلى الحديث بضمير
الجمع(نحن)السياسي, وتكتمل فكرة القربان العاطفي والأرتباط الروحي في المشهد
الأخير عندما يذهب أمين إلى أخر مكان التقى فيه بزوجته لنسمعه يكرر نفس الكلمات
التي القتها على مسامعه قبل رحليها (كلما سافرت بعيدا عنك مات جزءا من روحي).
يكسر الفيلم عددا من
التابوهات التقليدية في افلام القضية, مثل سخريته من شخصية الأسرائيلي المتفهم
المتحضر المحب للسلام الذي يتعاطف مع العربي"المسكين"على حسب تعبير أمين
في حواره بالفيلم مع زميلته, وهي الشخصية النمطية في اغلب الافلام التي تحاول ان
تتخذ موقفا انسانيا عاما كبديل عن الأنحياز السياسي الواضح ضد اسرائيل.
فيلم الهجوم يحتاج إلى
مشاهدة متأنية دون مواقف مسبقة أنما ان يفتح المتلقي وجدانه ليتوحد مع شخصية أمين
ويرى أذ ما كانت رحلته بالفعل سوف تثمر عن فهم الأسباب الحقيقة للانحياز في
النهاية ام لا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق